+ A
A -

من المستقر عليه في علم السياسة، أن بنيان استراتيجية الدولة، يمر عبر ثلاث خطوات هي:


- تحديد مصالح الأمن الحيوية للدولة.
- تعريف التهديدات الثابتة والمتغيرة لهذه المصالح.
- تحديد أفضل السبل لحشد موارد الدولة العسكرية والاقتصادية والسياسية لحماية هذه المصالح.
ولما كانت مهددات الأمن القومى بطبيعتها المعاصرة، تتداخل فيها أسباب وأطراف تركز على المنطقة العربية بأكملها دون تمييز، لهذا فإن الفكر الاستراتيجي المتطور الذي يواكب العصر والظروف، لابد وأن يدرك الاحتياج الجوهري للتنسيق والاجتهاد المتبادل، بين دول المنطقة. فالكل يقف على خط مواجهة واحد، وليس على خطوط منعزلة، وهو ما يؤكد مفهوم تكامل معنى الأمن القومي العربي.
مع الأخذ في الاعتبار ان هناك دولا إقليمية غير عربية، لها استراتيجيات قديمة لاستغلال الفراغ الاستراتيجي في العالم العربي، كلما لاح لها متسعا، للنفاذ إلى مجاله الحيوي، وان تحقق فيه طموحات تاريخية ثابتة لديها، وهي إيران، وإسرائيل، وتركيا. وهذه الطموحات معروفة ومعلنة، وموثقة لدى كل منها.
إن الدول غير العربية، سواء في منطقتنا الإقليمية، أو هناك في عالم الدول الصاعدة في آسيا وأميركا اللاتينية، أدركت مبكرا طبيعة التحولات في النظام الدولي، وسارعت إلى ملاحقة هذه التحولات، بصياغة مفاهيمها الخاصة للأمن القومى، والتي تراعي ناحيتين:
ناحية تغير المزاج النفسى للجماهير، وناحية التكامل الإقليمي الذي يحد من أي تحركات خارجية مضادة، فعملت على إثراء الناحية الأولى، بجسور تواصل وتفاعل سياسي وثقافي مع جماهيرها، وأيضا بوضع قواعد جديدة لاستراتيجية التكامل الإقليمي.
ولم يتم هذا إلا عبر المراحل العلمية لوضع استراتيجيات الأمن القومى، اقتضى الأمر سنوات، وذلك بتنظيم عملية منظمة يشارك فيها خبراء متخصصون في كافة جوانب صيانة الأمن القومي، سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وإبداعات أدبية، وفنية، ويصلون عبر مناقشات طويلة، وتفاعل بين الآراء، إلى وضع تصورات، يتم تجميعها كلها في شكل استراتيجية أمن قومي للدولة.
وهذه هي بداية الطريق.
إن الدول لم تعد منكبة على مفاهيم قديمة لا تواكب العصر الذي يتغير بسرعة، أو أن تنفرد قيادات الدولة من وزراء، ومن يماثلهم، بوضع السياسات، بل يكون لهم التنفيذ، مع إضافة رؤاهم الخاصة، ولكن يكون قد سبق ذلك، وجود قاعدة ملهمة وثابتة، يضعها متخصصون كل في مجاله، ويصلون بعد جلسات يناقشون فيها ما هم مكلفون به إلى نتائج عملهم، ثم يتم في النهاية تجميع نتائج عمل كل هذه المجموعات، في إطار استراتيجي واحد، تتبلور فيه فلسفة الدولة، وطموحاتها، ومشاريعها، دون التوقف بثبات عند هذه النقطة، بل متابعة ما قد يجد من تطور سواء في التحديات التي تواجهها، أو في وسائل التصدي لها.
هكذا يعمل العالم اليوم.
إذا كان الإرهاب قد فتح دون مواربة، خط مواجهة أحد، على امتداد الدول العربية كلها، فإن ذلك لا ينفي إن هناك دولا إقليمية، أو حتى عالمية، قد تتقارب مصالحها مع مصالح عربية في ظروف ما، لكن هذا لا يحول دون أن تكون لها مصالحها التي تخصها، وخططها الكامنة، والتي قد تكون مؤجلة، لكنها تتعارض تماما مع مصالح الوطن. لهذا يبقى أن تكامل مفهوم الأمن القومي لكل العرب، هو رهن التعامل مع هذه الحقيقة الواقعية.
بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
08/09/2016
2734