+ A
A -


حال حواء العربية يُصرّح: «رجاءً، لا تتحدثوا بلساني». وسبب هذا التصريح أن الساحة تكتظّ بكثيرٍ من الهرج والمرج؛ لتصعيد قضايا المرأة سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. تلوجه طبقةٌ معينة من الرّجال، ممن جعلوا أنفسهم المتحدثين الرسميين عنها، والمحامي والوكيل والمدعي العام أيضًا، وجعلوا من موضوع المرأة القضية الأكثر عُمقًا وأهمية من تحرير القدس وباقي قضايا الشرق الأوسط. ومن كثرة تدخّلهم في شؤون المرأة أصبحت بعض الحوائيات يُشككن أن تلك الفئة من الرجال «منهنّ وفيهنّ».

إذ جعلوا شغلهم الشاغل، المطالبة بحقوقها، خاصة العيش بمطلق الحريّة كما الرجل. وفي الوقت نفسه، يدّعون الصمم والعمى، أمام صوت المرأة النزيه، ابنة المجتمع ذي الثقافة العربية والإسلامية والملكية وذات الحق الشرعي في اختيار حريتها وتقرير مصيرها. صدّوا وللأسف الشديد عن الاستماع إليها، خاصة حين كشفت أساليب تلويحهم ومغازلتهم لها بنداءاتهم المزعومة.

هؤلاء قرروا لأي فئة من نساء المجتمع يستمعون؛ لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم، بداهة، لتلك الفئة الضئيلة من إناث المجتمع الخليجي والعربي. المهووسات بالمساواة بدل العدالة، ولقد رأينا بعضهن كنماذج مُباركة من الفتيات أو النساء المتحررات بالطريقة التي رسمها بعض المهتمين بقضايا المرأة، فكانت مُخجلة، ببساطة؛ لأن بعض النساء أصبحن بسبب هاجس الحريّة مسترجلات، ليس في مسألة اللباس (مظهرًا) ولكن بلا صبغة حياء ولا وقار ولا أسلوب. بل طبّقت بعض الخليجيات والعربيات حرفيًّا مع التشديد بتصرفاتهن المثل المصري القائل: «اللي اختشوا ماتوا».

وبعضٌ من تلك النساء اللواتي ينادين بحرية المرأة، ويؤججنها للخروج من خدرها دون قيود أو ضوابط؛ لتصبح بزعمهن أكثر نضجًا ووعيًا، ولتشق طريقها بنفسها وأن تصبح بألف رجل، هي نفسها التي غررت برجُلٍ متحررٍ فخان زوجته، أو رُصدت في وضعٍ مخلٍ للآداب. وبقيت ربّة البيت وغيرها ممن حافظت على نفسها والتزمت بما تصنعه من تنشئة جيل وحفظٍ لزوجها، أرقى وأنقى من كثيرٍ من مدّعيات الفكر والحريّة.

وحينما قررت المرأة السوية الصالحة أن تتحدث، قالوا: كلا وألف لا. مبررين أنهم لا ينصتون للمتخلفات، بل لصاحبات العقل المتفتح، والمتنور، والمتوقّد كجمرة تحرق ثيابهم. وعلى الرغم من المناداة الزائفة لحرية الفكر، هاجموها بحماقتهم؛ لأنها مختلفة ومُخالفة لتوجهاتهم، الفوقيّة والعبقرية. يدّعون أنهم أحسن من سبروا أغوارها ورصدوا احتياجاتها. مُسْتَميلين عاطفتها الجياشة، ومظهرهم المفلس، لتصبح فتياتنا نموذج منسوخ وممسوخ من بنات الشعوب الأخرى.

الغريب، أن أغلب نقاشاتهم وتركيزهم على نقاط معينة يتصدّرها مظهر المرأة، فلم يتقبلوا رغبتها في الاحتشام، فقالوا هي بهذا المظهر، ممسوخة، وغبية، وخائفة، هي ضائعة هي قبيحة تغطي على شناعتها، لا تفهم في الموضة ولا تُجيد اللباس. وحتى إن كانت مبدعة مع سترها وعفافها قالوا: تُعطي انطباعًا رديئًا، وتقلل من هيبة العلم. وكأن الحشمة تتنافى مع الإبداع والإنجاز وتعرقل مسيرة الحضارة والازدهار.

ومع وصية النبي الأكرم: (استوصوا بالنساء خيرًا)، نجد أسفًا في الاتجاه المقابل، أن بعض الرجال ينظر للمرأة كبعض شيء. ويرغبون منها أن تكون كما يريدون، لا كما ينبغي أن تكون. فأصبحوا كصاحب صك الغفران، ومالك قطع الأراضي في الجنّة، من شدّة تزمتهم وتشددهم، وكأن المرأة خرقة بيضاء لا عقل ولا إحساس ولا رغبة.

يقتلون فيها بتزمتهم كل إبداع وأي فرصة للصدارة، فهي عندهم لا تفقه ولا تفهم ولا تعي، يكويها كما العباءة عند المكوجي. ويلتقون مع النقيض الآخر -من المتحررين- جَعْلَهم المرأة أداة لإشباع رغباتهم ونزواتهم. فلا عزاء للمرأة سوى أن تجعل الدين الدواء والفيصل في تحديد إطار حريتها حتى لا تتوه أو تتعثر.

بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي

copy short url   نسخ
30/04/2016
1905