+ A
A -
مجتمعنا الصغير المتسامح يتجه نحو العنف شيئاً فشيئاً، المتابع يمكنه أن يلحظ ذلك، ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها:
أولاً: علينا أن نفرق بين العنف المادي والعنف الرمزي، الذي يمكن أن يتحول إلى عنف مادي أو هو بداية للعنف المادي ما لم يعالج الأمر بحكمة وتعقل..
ثانياً: سرعة ما يسمى بعملية «التنمية» وفي الحقيقة ليست تنمية بقدر ما هي قفزة سريعة وشاهقة في المجالين المادي والسكاني، قسمت المجتمع بين من «يملك» وبين «من لا يملك» مادياً وحولت «الأكثرية» المواطنة أو شعورهم بذلك إلى أقلية واضحة العزلة، أوجد مثل الجو شعوراً متنامياً ومتصاعداً بالعنف الرمزي الذي يمارسه من «يملك» نحو من لا «يملك» ومن قبل الأكثرية المستجدة على الأقلية المواطنة.
ثالثاً: تعرض مفهوم الملكية، ومفهوم الثراء، إلى تغير حاد، وإلى استقطاب كبير، فأصبح مفهوم الملكية يعني ملكية مدن وجزر وفنادق، وسواحل وشقق وعمارات في أوروبا، فأصبح من يملك بيتاً أو حديقة في قطر كأن لم يملك شيئاً، كذلك بالنسبة للأموال، أصبح صاحب المليون، شحاذاً إلى جانب صاحب المليارات، كل هذه الأمور تدفع بالمجتمع مع الوقت إلى مزيد من العنف الرمزي، قد يتحول إلى عنف مادي مستقبلاً.
رابعاً: السؤال الذي أصبح أكثر الأسئلة شيوعاً على ألسنة المواطنين، والذي يتفق على طرحه الجميع هو سؤال «من أين لك هذا»، كلما رأوا صعوداً متزايداً لفئة على حساب فئات، أو لفرد على حساب غيره من أفراد المجتمع، خاصة أن الجميع بعيد عن العملية الإنتاجية.
خامساً: تشجع الدولة الانفتاح، وفي نفس الوقت يعيش في أحشائها من هم ضد الانفتاح وضد التغريب من الجاليات العربية وغيرها، من مدرسين ودعاة وخطباء مساجد، والضحية هو المواطن الذي يعيش الواقع المتناقض، فكلما شعر بقصور اجتماعي وقع عليه أو أصابه لجأ إلى أو انحاز إلى ما يسمع من خطب وأيديولوجيا مثالية عن عصورنا السابقة، فتتكون بذور العنف وتتراكم، وهذا واقع ملموس في المجتمعات المجاورة وآثاره تعاني منها اليوم، وتتمنى لو يعود الزمن لمعالجة أسباب ذلك الواقع وما أحدثه من نتائج كارثية.
سادساً: أسهمت الدولة ربما بدون قصد في تركيز شعور المواطن بأنه ضحية لممارستها العنف الرمزي، ضده، عندما انحازت كلية، أملاً في إرضاء الجمعيات العالمية لحقوق الإنسان إلى العمالة الوافدة على حساب المواطن، فأصبحت حتى العمالة المنزلية أقوى من المواطن الذي يستجلبها لخدمته، هناك حالات عنف بالطبع يجب أن تعالج، ولكن ليس بهذه الشمولية التي تضع المجتمع كله متهماً أمام عمالته، وتجعل من هروب العامل حقاً شرعياً له دون وجود أي مبرر سوى أن القانون يسمح له بذلك تحت أي ادعاء.
سابعاً: عملية التجنيس الكثيفة والسريعة، بامتيازات لا يحصل عليها المواطن، لها دور نفسي خطير وتذهب بأريحية المواطن وتسامحه مع مرور الزمن، نحن نريد لوطننا الخير ولمجتمعنا الاستقرار، وقطر دولة المضيوم وتحارب بالضرورة «الضيم» لذلك لا يمكن تصور أن يكون القطري مضيوماً على الأقل في ما يتعلق في غيبوبته عما يدور حوله.
ثامناً: المرأة لاتزال تتعرض لعنف رمزي من داخل المجتمع، رغم ما تبوأته من مناصب ومراكز مهمة، فإن النظرة نحوها لاتزال تتسم بالانغلاق، وشهدنا ذلك في كثير من كتابات وتغريدات حتى ممن يفترض أن يكونوا ممثلي للرأي العام، فتجاوز النقد الأداء إلى جنس المرأة ذاته.
تاسعاً: السباق المحموم في تأليف كتب الأنساب والأصول وإعادة التأريخ والتأصيل للأسر والقبائل، يمثل استقطاباً جديداً معاكساً تماماً لتوجه الدولة المعلن عن بناء المؤسسات واعتماد المواطن والمواطنة.
عاشراً: حتى الآن الأمور في نطاق العنف «الرمزي» ويمكن معالجتها، لكنني من باب المواطنة ومن باب حبي لمجتمعي وأهلي أحذر من عدم معالجة الأسباب والمضي في البحث عن المكاسب المالية على حساب الوطن كـ «معنى» ووجود، وعلى حساب المواطن كإنسان وليس مجرد رقم أو عدد.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
06/09/2016
1806