+ A
A -
شاهدت قبل أيام مقطعا لمحاضر عسكري إسرائيلي قال فيه: إن إسرائيل حققت انتصارا سادسا على العرب ولكن (هذه المرة) بفضل التدخل الأميركي والربيع العربي والمفاوضات السرية المباشرة؛ فقد تكفل الأول بتفكيك الجيش العراقي، والثاني بتفتيت سوريا، والثالثة بتقديم تنازلات سياسية وجغرافية غير مسبوقة، وجميعها مكاسب لم يكن سيحققها الجيش الإسرائيلي لو خاض معركة مباشرة مع العرب..
والحقيقة إن إسرائيل حققت (قبل ذلك) مكاسب سياسية مهمة أتاحت لها مضاعفة مستعمراتها الاستيطانية في الضفة الغربية أربع مرات منذ عقد التسعينيات.. فعلت ذلك (ليس من خلال حرب استنزاف دامية) بل من خلال «مفاوضات» أوسلو التي قال عنها مصطفى البرغوثي أمين عام حركة المبادرة الفلسطينية: اتفاق أوسلو كان أكبر فكرة عبقرية في تاريخ إسرائيل؛ لأنه ضمن استمرار الاحتلال والتوسع دون أن تدفع إسرائيل تكاليف الاحتلال.
وكنت قد كتبت مقالا سابقا بعنوان «لماذا ستختفي الحروب مستقبلا؟» قلت فيه إن من أسباب انحسار الحروب مستقبلا (كمواجهات مباشرة بين الدول المتحضرة) تعود إلى وجود بدائل أفضل وأقل كلفة مثل الضغوط الاقتصادية والتحالفات السياسية والاتفاقيات السرية (وهذه كلها تبدأ وتنتهي بالمفاوضات).. وضربت حينها مثلا بأميركا التي حققت من خلال هذه البدائل التفاوضية مكاسب لم تحققها من غزواتها العسكرية في فيتنام وأفغانستان والعراق (التي انحدرت لها بضغط من لوبي الأسلحة)...
واليــوم يمكن القول إن امتلاك مفاوضين محترفين ومتخصصين يعادل جيوشا بأكملها ويحقق مكاسب صامتة لا تحققها الحروب المباشرة.. وفي المستقبل القريب ستكون (كتائب المفاوضات المتخصصة) أفضل سلاح يمكن اقتناؤه لتحقيق المصالح القومية دون خسائر عسكرية.. أقوى أسلحـة المستقبل لن تكون الصواريخ النووية، ولا الغواصات الذرية، ولا القاذفات الاستراتيجية بــل رجال مدربون على التفاوض وتحقيق المكاسب دون ضجيج يذكر (رغم أنهم نادرا ما ينتهون من مفاوضاتهم دون تحقيق الأهداف التي وضعوها مسبقا)..
وفي حال عدنا لتاريخنا العربي نكتشف أننا أمة بدأت تاريخها بهذا السلاح.. فالمفاوضات حققت في عصر النبوة وصدر الإسلام مكاسب كثيرة للمسلمين (وإن لم تأخذ حظها من السمعة كما فعلت الحروب والغزوات).. فالرسول الكريم مثلا حقق من خلال مفاوضاته مع قريش مكاسب فاقت مجابهاته العسكرية معها. يكفي التذكير بهدنة (العشر سنوات) التي أتاحت للمسلمين نشر الإسلام في كافة أنحاء الجزيرة العربية بعيدا عن سطوة قريش.. ومما ساند هذا التوجــه التفاوضي وجود نصوص شرعية كثيرة تحث على الترفق وتحاشي العنف عند طلب الحقوق، مثل قـوله تعالى لموسى وهارون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف»!!
وأخيرا أيها السادة؛
من قال إن المفاوضات أمر خاص بالدول والنزاعات السياسية.. فالتفاوض ذاته نزعة إنسانية تهدف للوصول لأفضل نتيجة (ترضي الطرفين) بأقل قدر من الخسائر (تدمر الطرفين)..
وكي تصبح مفاوضا جيدا في حياتك ومع الناس من حولك أنصحك بالعودة لمقال سابق كتبته بهذا الشأن، وتجده في جوجل تحت عنوان «عشر نصائح للتفاوض الإيجابي».

بقلم : فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
03/09/2016
2585