+ A
A -
أعشق الريف منذ طفولتي في فلسطين، فبلادي- رغم صغر مساحتها- مشبَّعةٌ بالجمال والتنوّع.. وبقي هذا العشق متوطّناً في وجداني، أنّى حللت. ويشاء الله أن أمضي خريف العمر في بلادٍ، ولا أحلى، بطبيعتها البكر، من حيث الغابات الكثيفة، وجداول الأنهار، ومسطحات البحيرات، وحيواناتٍ تصارع البقاء..
وأجد متعةً كبيرةً في الصياعة في ريف مقاطعة نوفاسكوشيا الكندية، حيث أقيم، وهي اتخذت هذه التسمية «سكوتلاندة الجديدة» لتشابه طبيعتها بأسكوتلاندة الأصل.
في الريف ابتاع لوازم البيت من اللحوم، حيث المزارع الشاسعة الممتدة على مرمى البصر، والغنية بأشجار التفاح والكمثرى والخوخ ونباتات التوت والكرز، ودوالي العنب وأغنامها وحيواناتها الأخرى، وطيورها من بط وإوزٍّ، وديوكٍ روميةٍ، ونعامٍ، وما شئت أن تحصي.
في إحدى الملاحم، الأسبوع الماضي، كحّلت عينيَّ شابةٌ في العشرينيات، مليحة الوجه، حلوة التقاطيع، رشيقة القوام، تحمل في يدها ساطور جزّارٍ وترسم على شفتيها ابتسامة محب:
- أنت السيد فلان، حضّرت لك طلبك، لكن قبل ذلك: هل تأمر بشيءٍ آخر؟ البنت حلوة، ولازم الأمر:
- ذراع خروف مع الكتف ووضّبيه من فضلك، أحضرت الطلبية، وأنجزت العمل، كأنها فنانٌ ينحت تمثالاً، حين حاسبت، اكتفيت بمجاملةٍ لطيفة:
- عندكم جزارات بيفتحوا النفس، سترحّبون بي كثيراً، ابتسمت الجزارة الحسناء، وانفرجت أسارير الكاشيرة:
- لكنك ومن أسفٍ لن تراها ثانيةً، فالدراسة الجامعية سوف تستأنف الأسبوع القادم.
وفي ناحيةٍ أخرى، تعودت تناول قهوة الصباح من مقهى قريبٍ من سكني، هناك كانت ساقيةٌ في النصف الأول من العقد الثالث من العمر، ملامحها تشي بالاحترام والثقة بالنفس، عرفتني بنفسها: «آنة» ابنة طبيبيْن متخصصيْن، تعد رسالة الماجستير في إدارة الأعمال وتعمل في المقهى لتوفر مصروفاتها الشخصية.. ذات صباحٍ، وبعد أن أخذت كوبي «تيك أوي» استوقفتني «آنة»:
- لن تراني بعد اليوم، وجدت فرصة عملٍ في الحكومة المركزية في تورونتو، تمنّ لي التوفيق.
هاتان شابتان، من عظم الحياة الكندية لم يحل تعليمهما العالي وعملهما في مهنٍ يترفع عنها كثيرون في بلدانٍ أخرى تغطّ في نومٍ عميقٍ.

بقلم : حسن شكري فلفل
copy short url   نسخ
02/09/2016
1867