+ A
A -
»ما يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري»،

هذه الكلمات الخالدة لشيخ الإسلام ابن تيمية أرى انعكاسها في وجه الشيخ رائد صالح حارس الأقصى المبارك وهو ذاهب إلى سجن الصهاينة، وكأن ذلك الأمس البعيد يعود، حين دخل الإمام ابن تيمية أسوار القلعة التي سجن فيها فتلا قوله تعالى «فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب»، واليوم يدخل الشيخ رائد صلاح سجون الصهاينة للمرة الخامسة، وعلى وجهه ابتسامته الهادئة التي تنبئ عن نفس مطمئنة سعيدة، واثقة فيما مضت فيه، وإن كان ثمن ذلك.. السجن، وفقدان كل ما يحتسبه البشر مباهج للحياة.

وما ذلك التشابه إلا سنة تخبرنا كيف تتشابه النفوس العظيمة في ثباتها، وقوتها حين يكون هدفها مبتداه ومنتهاه وجه الله عز وجل، مهما اختلفت الظروف، وتباعدت الأزمنة.

وأي هدف أعظم من هدف يكون لله، فما من عمل لوجه الله عز وجل إلا كان فيه الحق والعدل، ومصلحة البلاد، والعباد، وأمن البشرية، وحريتها، لذلك يمنح الله عز وجل هذه النفوس العظيمة وهي تكمل مسيرتها في النضال قوةً، وانشراحاً لا يجده أي أحد.

رجل بأمة.. هذا وصف يليق برجل كالشيخ صلاح، كرس حياته من أجل قضية الأقصى الذي تُرِك ليواجه مصيره وحيداً بعد أن انشغل عنه المسلمون، أمام سطوة الاحتلال الصهيوني، ومؤامراته الخبيثة لتدميره. فحرص على أن يبقي الأقصى، وقضيته حاضرة دائماً في ضمائر المسلمين، وقلوبهم، بنضاله المتواصل منذ عام 1996 فحمل الناس إليه أفئدة في حملات سيرت خصيصا له كي لا تنجح مخططات الصهاينة في جعله مهجورا لا تقام فيه الصلوات، وساهم في الكثير من الأنشطة التي أعادت الوعي بقضية الأقصى، واستمرارية ربط أبناء الأمة بوجوده، وحلم تحريره عودته. فساهم في إنشاء صندوق طفل الأقصى الذي يهدف إلى ربط الطفل المسلم بالأقصى والمساهمة في إعماره، كما ساهم في تنظيم عدد من المسابقات المرتبطة بالأقصى تقام سنوياً على مستوى العالم الإسلامي، وإصدار أفلام وثائقية عنه، تتحدث عن تاريخه، ومعاناته تحت الاحتلال الصهيوني خاصة أن الشيخ صلاح هو أول من كشف جريمة حفريات الأقصى.

ولأن النضال من أجل ما هو مقدس في حد ذاته حياة حرص الشيخ صلاح على تجديد الحياة في الأقصى، ونفض غبار الاحتلال عنه فقام بإعادة أعمار الأقصى القديم والمصلى المرواني، وتنظيف ساحاتهم، وإضاءتها. كما نظم إقامة حلقات القرآن على مصطبات الأقصى لتعيد الروح إلى جنباته. ووقف كلما استطاع مع المرابطين في الأقصى للدفاع عنه، ومنع تدنيسه من قبل الصهاينة.

وهكذا عاش الشيخ صلاح، شيخ المرابطين، أطال الله عمره، شوكة في حلوق الصهاينة والمتآمرين عليه، لم يضعفه تخاذل الأمة، ولا ابتعادها عن نصرة أقصاها.

فطوبى لهذا الرجل الذي أصبح نضاله دعوة لله أسلم بسببها من أسلم، وتحية إجلال وتقدير لهذا الذي سيظل يلهم أجيالا بأكملها حتى يعود الأقصى، ويهزم الصهاينة.

بقلم : مها محمد

copy short url   نسخ
10/05/2016
1421