+ A
A -
عندما يجلس طرفان للتفاوض، غالباً ما يكون أحدهما قد قُهر، ويريد أن ينقذ نفسه أو بعض مكتسباته، أو حتى كي يجد فسحة من الزمن يلتقط فيها أنفاسه، ثم يعود للصراع عله أصبح المنتصر لاحقاً، بينما لا يريد الطرف الآخر مزيداً من الخسائر في هذا الصراع الدائر بينهما، أو يريد انتصاراً بأقل الخسائر.

لذلك تتطلب عملية التفاوض الكثير، الكثير من المهارة، والخبرة، واستعمال كل الخلايا الذكية، والمعرفية مقابل هذا الخصم الذي يجلس أمامنا بأناقة.

إنه من العبث أن نفاوض ونحن لا نملك أدوات التفاوض، ومهاراته، ودهاليزه، بل قد يكون من الخسارة أحياناً أن نفاوض، بحيث يلتف علينا الخصم الأكثر منا دراية وخبرة فيحقق مصالحه منا، وبرضانا من حيث نعلم أو لا نعلم.

ولعل تاريخنا في المفاوضات كعرب يسجل علينا هزائم وخسائر كثيرة، أبرزها ما كان في صراعنا مع إسرائيل، مفاوضات في حقيقتها لا تعد إلا تنازلات.

ومازال الواقع يسجل علينا مزيداً من الهزائم كوننا لانزال نحمل تلك الصفات الوراثية التي أفشلتنا من قلة.. قلة الصبر، قلة الخبرة والدهاء، قلة الجدية، ضعف التخطيط، وأمور أخرى تتمثل جُلها في عدم إدراكنا الواقعي لإمكانات الخصم، وهدفه الحقيقي خلف هذه المفاوضات.. وفي حالات مؤسفة (عمالة المفاوضين المحسوبين علينا لخصومنا).

التساؤل هنا والذي يعاودنا منذ عقود وحتى اليوم: نحن العرب لماذا لم تنضج بعد تجاربنا السياسية؟ لماذا مازلنا نضع أنفسنا في غير موضعها؟ ونتبنى القيام بما لا نجيده قبل أن نجيده؟، لماذا نحن متأخرون جداً في مدرسة التفاوض؟، لماذا لا يساعدنا ما نمتلكه من ذكاء فطري، وقوة في الكلام، والحجة والبيان في إتقان التفاوض، وإمساك الثعلب من رأسه، لا من ذيله رغم ولعنا بالصيد، والمقناص؟، لماذا نخسر في الكثير من المفاوضات حتى دون أن نعي، مقابل القليل منها؟، لماذا لا نقتنع أن التفاوض لا يجدي مع كل عدو، ومخالف، ومفاوض؟

أو ليس لنا الحق اليوم أن نشعر بالغثيان، والعبثية كلما سمعنا عن مفاوضات تجري مع الصهاينة مثلاً كونهم عدواً مغتصباً، صريحاً يتلاعب بالمفاوضات كما تتلاعب رجل اللاعب المتمكن بالكرة وفي المقابل لا يوجد من يصده، أو يجاريه.

أو نشعر بما يشبه اليأس، والإحباط ونحن نتابع المفاوضات مع الحوثي، الذي نعلم أن التفاوض معه أشبه بالتفاوض مع الذيل لا الرأس المحرك له.

كما يتضح لنا أن النهضة والتطور في عالمنا العربي يجب أن تأخذ في ركابها كل شيء، حتى مسألة التفاوض، والأخذ بالسياسة، والفرض بالقوة الناعمة في عالم لا يعترف إلا بقوة التطور.

ومع كل ما ذكرناه يلوح في الأفق ثمة تطور، ونضوج.. ثمة روح جديدة.

بقلم : مها محمد

copy short url   نسخ
26/04/2016
1237