+ A
A -
لا خلاف على أن زبجنيو بريجنسكي يعد من أهم المفكرين السياسيين المعاصرين في الولايات المتحدة، لكن مشكلته هو وبعض أقرانه من الأميركيين، أنه يعترف بأن العالم يتغير، وأن مكانة أميركا ونفوذها العالميين، في تراجع، لكنه في نفس الوقت، منجذب إلى عقيده الهيمنة الأميركية على العالم، ولا يتصور أن تتقلص هذه المكانه يوما ما.
وهي عقيدة يصفها البروفسور ديفيد كاليو الأستاذ بجامعة جون هوبكتر، بأن الخيال السياسي الأميركي، يجد من الصعب عليه الآن أن يفكرفي أي نظرة أخرى للعالم، لا تكون فيها أميركا القوة الأولى الملهمة والمهيمنة، أو وجود عالم يعرف تعددية القوى الدولية.
بريجنسكي في مقال نشره مؤخرا عنوانه «التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية للرئيس القادم 2016»، يقول إن أوباما تولى الحكمىفي وقت بدأت فيه أزمة ثقة، في قدرة أميركا على ممارسة قيادة فعالة في الشؤون الدولية. وأن ما أدى إلى تراجع دور هذه القيادة، بروز إحساس وطني بأن مستقبل النفوذ الأميركي في العالم صار محل شك، ووجود تحولات أساسية في الوضع العالمي، وتحول في توزيع القوة العالمية من الغرب إلى الشرق. وتنامي صحوة سياسية محلية تجتاح العالم.
لكن بريجنسكي يرى أن هذه التحولات – مع ذلك– بطيئة الحركة، وأن أي تجمع لدول في العالم، لن يستطيع أن يحل محل الدور الذي تلعبه أميركا على المسرح العالمي.
وهذا التفكير يقف على النقيض، من تقديرات شخصيات أميركية لا تقل تأثيرا عن بريجنسكي. وعلي سبيل المثال فإن هنري كيسنجر، في تقديره لشكل النظام الدولي الجديد، يقول إن أميركا ستكون واحدة ضمن مجموعة قوى متساوية، على قمة النظام الدولي القادم، وفضلا عما اتفق عليه مفكرون أميركيون كثيرون منهم كيسنجر نفسه، على أن مركز النفوذ العالمي سوف ينتقل من الغرب إلى آسيا. وأن هذا يدشن لبدء القرن الآسيوي، الذي يأتي في أعقاب القرن الأميركي الذي ساد طوال القرن العشرين.
يمضي في نفس المسار، المفكر فريد زكريا في كتابه «ما بعد العصر الأميركي» والذي توقع فيه ظهور من أسماهم الباقين THE REST والذين تضمهم قائمة الدول الصاعدة في آسيا وأميركا اللاتينية، والذين سيصبحون شركاء في إدارة النظام العالمي.
وفي مقاله يقول بريجنسكي إن هناك حاجة لتشكيل تجمع من الشركاء مع الولايات المتحدة، يعمل من أجل الاستقرار العالمي.
وهذا الاحتياج حسبما وصفه بريجنسكي يتصادم مع عقيدته السياسية التي تضعه في مقدمة المقتنعين، بهيمنة أميركا على العالم. فالشركاء لن يقبلوا بهذه الشراكة، ما لم تكن هناك تبادلية في العلاقة والمنافع، والاحترام المتبادل، وهو ما يمثل حافزا لديها لأن تكون شريكا، يأخذ ويعطي، لا أن تفرض عليه هيمنة قوة كبرى.
على أية حال – ورغم مآخذ على منطق تفكير بريجنسكي، إلا أنه يعكس حالة من الانقسام بين النخبة في الولايات المتحدة حول سياستها الخارجية. وهو انقسام ظهر مؤخرا في العديد من المواقف التي اتضحت إزاء تطور العلاقة مع إيران، وبدايات تململ الرأي العام تجاه الانحياز المطلق لإسرائيل، خاصة بين الشباب، وسياسة أوباما عامة في الشرق الأوسط. خاصة وأن تقديرات لمراكز البحوث السياسية تتوقع أن يكون الشرق الأوسط، المشكلة الساخنة في سياسة أميركا الخارجية عامي 2016– 2017.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
31/08/2016
2915