+ A
A -
أحسن مجلس الدولة الفرنسي بتعليقه العمل بقرار حظر «البوركيني»، لكن ذلك لا يعني مناقشة المبدأ. إذ ما الفرق بين فرض مجموعة من المتشددين للحجاب أو النقاب.. والأمر الشرطي الفرنسي لامرأة مسلمة بخلع ملابس البحر المحتشمة، التي يطلق عليها «البوركيني»؟ المفروض أنه لا فرق بين التصرفين، أو بالأحرى، التطرفين.
وحتى لا يحتج أحد بالإجراءات الأمنية، فإن هذا الزي «البوركيني» لا يخفي وجه من ترتديه، أي أن التعرف إليها، أو حتى تفتيشها، أمر يسهل تنفيذه، ولعل التبريرات الفرنسية، تقطع الطريق على مثل هذه الحجج و«التلكيكات»، فلم يكن الأمر البوليسي بالخلع الفوري لهذا الرداء، إلا إنفاذا لعريضة تزعّم عمدة مدينة «كان» الفرنسية توقيعها، مع عدد من العمد تمنع ارتداء «البوركيني» على الشواطئ التابعة للبلديات، وهو القرار الذي أيدته المحكمة الإدارية، رغم قيام منظمات حقوقية برفع دعوى لإلغائه.
أصحاب العريضة/ القرار، دفعوا بأن «البوركيني» رمز ديني يُحيل على تأويل معين للإسلام، مستدلين بشيوع السباحة بـ«البكيني» بين مسلمات في فرنسا. ولا اعرف لماذا قبلوا «التفسير البكيني»، ورفضوا «التفسير البوركيني»، إلا إذا كانت تلك رغبة فرنسية، في الحكم على الأفكار وفقا للملابس، ليصير «البكيني» رمزا للاعتدال، أو على حد وصف إحدى الفنانات رمزا لـ «الإسلام الوسطي الجميل»، بينما الاحتشام دليل تطرف، وربما إرهاب.. وهو تسطيح معيب لا ينبغي إتيانه ممن يدعون أنهم ليبراليون جدا، وأنهم رعاة الحريات في العالم– لست في حاجة بالطبع للتأكيد على كذب هذا الادعاء على الأقل بالنسبة لحريات العرب والمسلمين.
اللافت أن مؤسسات غربية كثيرة ومسؤولين ودولا ككندا مثلا، رفضت الإجراء الفرنسي، لتناقضه مع الحريات الشخصية من جهة، ولأنه لا يصب في مصلحة دمج المهاجرين في المجتمعات الغربية، كوسيلة مهمة لتفادي التهميش وما ينتج عنه من أحقاد تؤدي إلى العنف من جهة أخرى. لكن اللافت أن مدعي الليبرالية العرب، حينما ناقشوا أو علقوا على القرار الفرنسي، وعلى إجبار لابسة «البوركيني» على خلعه على الشاطئ، ناقشوا الأمر من باب «يا شماتة الإسلاميين فينا». لم يتطرق القوم إلى الحرية كقيمة ومبدأ. لم يأتوا على ذكر فرنسا، أو يعيبوا إجراءاتها، التي لا تختلف من حيث النوع عن إجراءات داعش في فرض الحجاب أو النقاب.
أحد الأكاديميين العرب، كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، رسالة ساخرة، صور فيها أحد «المتشددين» بأنه أكثر الناس سعادة بحادثة الشط الفرنسي، وأن الرجل يقول لتلاميذه الآن، «مش قولت لكم يا اخوانا ليبرالية يعني أمك تقلع الحجاب»، وكأن المشكلة في أن هناك من سينتهز الفرصة من المتشددين، وليست في ذلك الانفصام الذي يتعامل به الغرب، وهذا الكيل بمكيالين في الحريات والديمقراطية.
هو ديدن مدعي الليبرالية العرب على كل حال، فالحرية الوحيدة التي يدافعون عنها هي حرية التعري.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
28/08/2016
1568