+ A
A -
«أحلى فصول العمر، حنانك..
أجمل حتة لقيتا، مكانك..
أجمل سكة مشيتا عيونك..
«أحبك.. أحبك،
أنا مجنونك»!
من يغالط، سيخسر!
هذا من أجمل الشعر الغنائي.
محجوب شريف، كان دنيا من الأحاسيس. كان متوحدا في اثنين: الحبيبة والوطن. كان موقفا راسخا ضد القبح، بمختلف أشكاله وتسمياته، وليس هنالك من قبح أكثر قبحا من سرقة أحلام الوطن.. وأحلام البسطاء.
هو الآن، في البرزخ.
شبر التراب لا يحجب عنا، أحبابنا.
هو الآن حضور. في كامل أناقته الشعرية والشعورية. في كامل أبهة مواقفه التي ما عرفت الوقوف بين بين. كان يقف على حد العدل والاعتدال. الجمال كله.. وكان يفيض جمالا حتى على أطفال الشوارع.
بكوه هم، بأكثر مما بكته الحشود، تلك التي شيعته قبل أعوام، بأجمل ما يشيع به الأموات: أهازيج من أشعاره، تحكي عن نبله وطهارة روحه وقلبه ويده واللسان: «ماك الوليد العاق.. لا خنت لا سراق»!
آه لأطفال الشوارع، حين يرحل الوالد..
ما أعظم الفقد..
ما أكثر العبرات والدموع.
سقت قبره دموعهم، وهم من بين الملتفين لأداء الواجب، يتسللون، لإلقاء النظرة الاخيرة، تلك التي تقرح بالدمع الهتون، الأجفان.
الذين يبكيهم البسطاء جدا- أولئك الذين لا يلتفت إليهم أحد في زحمة الدنيا- هم الذين كان لهم في خدمة المساكين، عرق!
كان.
لا. هذا الفعل الناقص، ليس جديرا، بمن أكمل في هذه الدنيا، الفعل النبيل.
محجوب شريف، لم يكن من الناقصين على التمام.
تمام يا وطن.
هكذا كان يؤدي «التمام» موقفا حياتيا، شعوريا وشعريا.. وما الشعرُ- موقفه يا صحاب- إذا لم يكن موقفا راسخا مع الحياة، ومع الإنسان.. موقف أساسه الانضباط، والطهارة، والجمال؟!
منضبطا، مضى..
طاهر الروح الوجدان..
جميلا جدا، كما لو أنه قد ملأ رئتيه باكسير الحياة، للتو. كما لو انه لم يستنشق هواءا، ملوثا بزفير الطواغيت، والفاسدين، والتنابلة، والهتيفة، والسارقين، وأدعياء حملة صكوك الجنان.. المجانين!
قبل سنوات، هنا في الدوحة، تم تكريمه.. وكان عراب التكريم البديع، «نادي أصدقاء البية».
يومذاك، كتبت: «الشاعر الإنسان، هو أنظف بيئة، على وجه الأرض».
كانت يومذاك كل البيئات، تعاني من تعقيدات التلوث.
لكن بيئة محجوب شريف، لا.
كان..
لا. هو لا يزال كائنا في وجدان شعبه..وفي ضميره.
كائنا أخضر، في زمان القحط، والجدب، والسراب.. والتيه الذي من أمامه تيه، وتوهان.
هو الآن كائن.. زعيما لكل الشعراء الخُضر، في السودان. شعراء تنظيف البيئة: بيئة الوطن، والإنسان.
محجوب.. يأبها الشريف الراقد في سلام..
لك السلام..
لك السلام.

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
28/08/2016
1049