+ A
A -
في زحمة هذه الحياة قد تضيع منا أمور كثيرة ليست بالضرورة أمورا مادية لكنها ايضاً معنوية، ومما ضاع منا في هذا الزمن دون أن نشعر هي الذوات البشرية في غمرة كل هذا الازدحام الكرتوني الذي نعيشه حولنا.

ولعلنا نلاحظ كيف انتشرت دورات البحث عن الذات، بصورة تفصيلية أكثر (فهمها، وتقديرها، واحترامها)، وانتشر المدربون الأفاضل يساعدون أولئك الباحثين عن ذواتهم بالمال، والجهد منهم من وجدها.. ومنهم من سئم البحث عنها...ومنهم من مازال يحاول فهم ما يبحث عنه.

اللافت ان بعض المرشدين للذات ملوا حتى من ذكرها وهم يحذرون الناس من حولهم انتبهوا لتلك الذوات التي تتساقط من جيوبكم.

لم يبحث الناس في العصور السابقة عن ذواتهم كما يحدث الآن، ربما لم يكتشفوها كما لم يكتشفوا الكهرباء، والانترنت، أو أن سِلالَ حياتهم لم تكن ممتلئة بكل ما امتلأت به سِلال حياتنا فكان من السهل أن يجدوها، ولم تنشغل الأمهات حينها عن أبنائها فتنسى أن تغلق صناديق صدورهم على ذواتهم فتسقط في الطريق، أو يخطفها خاطف.

لم يكن هناك اعلامٌ يُزور الذوات، فيضخم الذوات الضعيفة، ويُضعفُ الذوات العظيمة، ولم يكن هناك هذا الكم الهائل من الأسواق، والمنتجات التي أصبح الناس يشترونها لسد فراغهم من الذوات، لم يكن هناك ما يعوضهم كذباً ذواتهم فكان الناس في الغالب يعيشون ذواتهم.

اما اليوم فهي بحق اغلى مطلوب حيةً كانت أم ميتة، والصراع مع تقدير الذات هو صراع يومي بات يخوضه أغلب البشر،والسر في أهميته يكمن في كونه مفتاح السعادة، والنجاح في هذه الحياة يقضي في المقام الأول على الكثير من أنواع الاستغلال...

استغلال التجار لجيوب الناس المتلهفين لسد فراغ ذواتهم بشراء كل ما يروج له.. استغلال من يعمل لإرضاء الآخرين حتى الإنهاك لسد فراغ ذاته...

استغلال تجار التجميل لملايين النساء...

استغلال المتطرفين، وأصحاب التوجهات المنحرفة والشاذة للشباب...

استغلال أصحاب الذوات المتضخمة أو الضعيفة في الأصل لمن يقبلون التسلط وممارسة الديكتاتورية عليهم...الخ

لصوصٌ خفيه، واستغلال إلى ما لا نهاية يبدأ من حكاية صغيرة حين أضاع شخصٌ ما ذاته ولم يقدرها حق قدرها.

لذلك اقترح ان يدرس علمُ الذات لأطفالنا مع حروف الهجاء، ومبادئ الحساب، وان يرددوا كل يوم في طابور الصباح ذواتنا فلنحفظها، ولنقدرها، ولنحترمها.



بقلم : مها محمد

copy short url   نسخ
22/03/2016
1311