+ A
A -
فى مجال بحث المختصين في قضية الأمن القومى، رصدوا تغيرات أساسية دخلت على مفهومه المتعارف عليه في السنوات العشرين الماضية، ولا تزال تتوالى.
فقد ظهرت نظريات تضيف إلى مكونات الأمن القومى بعدا مهما، هو تأثير متغيرات اجتماعية، وثقافية، عديدة، جعلت المزاج الاجتماعى في حالة من الديناميكية، التي تختلف عن وضع السكون النسبى الذي ظل عليه في عصور مضت. أضف إلى ذلك أن مهددات الأمن القومي، لم تعد مثلما كانت في الماضي، فهي تجد ميدان حركتها ممتدا عبر حدود الدولة في اقتحام للشأن الداخلي، بعد أن اكتسبت خاصية عبور الحدود، عن طريق وسائل لم يعد للدولة سلطان عليها، نتيجة ثورة المعلومات وأدوات التكنولوجيا الحديثة، وكلها تصب في مجرى يشكل المزاج النفسي المتغير للجماهير.
وبصفة عامة، فإن النظرة إلى قضية الأمن القومي توضح أن دعم قدراته، رهن بوجود استراتيجية واعية للدولة، يكون الحكم على صلاحيتها، متوقفا على ما توفره للدولة وشعبها من أمان وسلامه وتقدم.
وفي إطار ما يتعلق بالشرق الأوسط فقد اتفق المختصون على أن هذه المنطقة ستظل ركنا حيويا في الاستراتيجية الأميركية العالمية، باعتبار ما تحويه من مصالح استراتيجية للولايات المتحدة، تتصدرها إسرائيل، والبترول، والمصالح التجارية الواسعة النطاق، حتى وإن شغلت الأوضاع المنافسة في آسيا، مكانا ليس هينا، في النظرة الاستراتيجية الأميركية.
لكن هذا لا يعني الثبات لدى القوى الكبرى عند نفس المفاهيم التقليدية، وهو ما شهدناه من توجه إدارة أوباما، نحو إعادة تشكيل مواقفها في الشرق الأوسط، بإعادة توزيع حلقات التوازن الإقليمي، بعلاقات بعيدة المدى مع إيران، والإصرار على مبدأ الوكلاء المحليين في السياسة الخارجية الذين يلعبون دورا لصالحها، يغنيها عن التورط المباشر في نزاعات تفضل أن تنأى بنفسها عنها.
في إطار هذه الدائرة للأمن القومي، وأبعاده السياسية، والاجتماعية، والثقافية المتعددة، كان الاهتمام بالمزاج النفسي للجماهير، خاصة بعد أن سهلت وسائل الاتصال الحديثة، خلق مؤثرات تنعكس عليه وتؤثر فيه.
فلقد كان من شأن ثورة المعلومات، والتكالب الجماعي في كل الدول على تلقي ما يبث عن طريق الإنترنت، أن نبه صناع قرار السياسة الخارجية إلى ميدان جديد يمكن من خلاله، تحريك جماعات من أي دولة، نحو تبني هدف مطلوب أن يتحقق، لكن دون أن يظهر أي دور للدولة التي تهيئ للذين يتحركون فيه، فرص التصرف وفق ما توصل إليه مزاجهم النفسي.
وطبقا لما ذكره ويليام إنجدال المتخصص في علم استراتيجية المخاطر، والذي تنشر كتبه باللغات الإنجليزية والفرنسية، والروسية، والصينية، إلى جانب عدة لغات أخرى، وذلك في دراسة له عن أحداث الشرق الأوسط، فإن وزارتي الخارجية، والدفاع، ووكالة الأمن الوطني، ابتدعت بطريقة علمية، خطة الاكتساح الجماعي للعقل المتلقي عبر الإنترنت، والذي قد يصعب عليه أن يفرق بين، المعلومة المجردة، والمعلومة المصنوعة والموجهة. وهو ما يصل إلى المزاج النفسي بتأثيرات مدروسة علميا.
وإن هذا المشروع كان قد بدأ إعداده في عام 2010، واستخدم على نطاق واسع، قبيل أحداث الربيع العربي. وإن الحشد الجماهيري عن طريق الإنترنت وبهذه الطريقة، يقوم على تتابع معلومات يفصل بينها فاصل زمني، وتبدو وكأنها متفرقة، ولا رابط بينها، لكنها تتم عبر مسار طويل، ومتدرج، لكي تكون حصيلتها النهائية، ضاغطة على العقل المتلقي، والقابل للتأثر، بخطط ترويض المزاج النفسي للجماهير. وإن كان ذلك لاينجح دائما مع كل الجماهير، لكن مع قطاع منها قابل لتصديق، كل ما يتم الدفع به إليه من رسائل مصنوعة ومقصود بها، إعادة تشكيل مزاجه النفسي.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
26/08/2016
2503