+ A
A -
ينطلق نظامنا التعليمي العربي من أبوية واضحة لا تريده يخرج عن إطارها وعن أجوبة مسبقة يدفع إليها الطلاب دفعا، تتحول معه دراسة التاريخ إلى «تأريخ» موجه، ودراسة السياسة إلى «تسييس» ممنهج، لذلك يتخرج أجيال لا تحتمل العلم وإنما تتعلق بالأيديولوجيا، نتكلم عن المنهج والمنهج ليس سوى طريقة في حين أن ما خلف المنهج عقيدة غير علمية وإنما تاريخية منقبضة صارمة، ليس المطلوب البحث إلا في إطارها والمثقف ليس سوى أحد تجلياتها، ليس هناك أفق مفتوح للتفكير خارجها يجعل من المثقف حالة من الحراك والبحث المستمر، هرول «فوكو» إلى إيران بعد ثورة الخميني باحثا عن فكرة جديدة تتفجر هنا وهناك، وهو من عرى السلطة ووضح أثرها الرهيب على الجسد الإنساني، النظام التعليمي الحيوى هو دلك النظام الذي يخرج طالبا لا أفق يقف أمام تفكيره وأبحاثه وتطلعاته، يضع المسؤولون عن نظامه التعليمي أهواءهم في أسئلة الامتحانات، وتضع الدولة رغبتها، ويضع النظام ما يستحسنه ويحافظ عليه وعلى بقائه ويُطلب من الطالب أن يجيب عن أسئلة حددت إجاباتها مسبقا. فيدرس الطالب مثلا أن سبب سقوط الاتحاد السوفياتي السابق أنه «ملحد» مثلا وتطرح جميع المواد بما فيها العلمية البحتة من خلال الدين أو انطلاقا من الدين ويبحث في النص الديني عن الإنجاز العلمي وليس في المختبر، وإن هذا العالم صاحب النظرية التي أحدثت دويا هائلا ملحد فاجتنبوه، وليس هناك داع حتى للمرور على نظريته لطالب العلم أو الباحث، يتم نسف جميع الأحداث التاريخية والسياسية، وأذكر أننا تخرجنا في قسم علم الاجتماع دون أن ندرس أو نمر على النظرية الماركسية ولو بإيجاز وهي من أهم نظريات التغير الاجتماعي ولا تزال فاعلة إلى اليوم، فإذا سئلت عن ماركس فمطلوب منك أن تجيب عن عمر بن الخطاب، وإذا سئلت عن المقاومة فمطلوب منك أن تتحدث عن حزب الله مثلا، وإذا سئلت عن الوطن فعليك أن تتحدث عن النظام الحاكم فيه، يبدأ النظام التعليمي مجالا للعلم لكن لا يلبث أن يتدثر بالدين وبالقبيلة وبالطائفية، لذلك لا المختبر ينفع ولا النظرية تتطور حيث هناك أجوبة أكثر من الأسئلة فيصبح تصحيح الامتحانات مادة دسمة للانتقاء في مجتمعات تكوين الصفوف ومن ثم الاصطفاف دون أية أسئلة عن سبب ذلك..
سألت أحد الإخوان المهتمين على ما يبدو بالتاريخ عن مصادره العلمية حول تاريخ قطر فتحدث لي بإسهاب عن «العرضات» السنوية احتفالا باليوم الوطني.
عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
25/08/2016
1180