+ A
A -
بعد الغزو الأميركي للعراق لاحت فرصة الأكراد لتحقيق حلمهم الدفين بالاستقلال وإقامة كيان مستقل حرمهم منها اتفاق سايكس- بيكو. وجاء تفكك سوريا بمثابة هدية من السماء لتوسيع مساحة الحلم الكردي غربا نحو البحر حتى صارت الورقة الكردية العامل الأهم في تحديد معالم الخرائط الجديدة التي ستنبثق من المخاض الدموي العسير في المنطقة.
الصراع الكبير على سوريا والعراق فرق ما بين أنقرة وطهران وبغداد ودمشق. هذه العواصم كانت تلتقي وتفترق. لكن الثابت بينها ظل الخوف من صحوة الأكراد، وتبديد طموحهم الاستقلالي.
حكومة بغداد ساكنت حكمهم الذاتي الواسع مرغمة ورضخت لإقليمهم المستقل لأن ليس في يدها حيلة. نظام دمشق هادنهم مكرها بعدما صادر حقوقهم لعقود. الحكومات المتعاقبة في أنقرة جعلتهم شغلها الشاغل ولم تمل من حربها الطويلة ضدهم ولاتزال. أما واشنطن فحضنتهم متأخرة ولعلها وجدت في قوتهم الصاعدة حليفا مضمونا وعنصر إشغال لخصومها، القدامى منهم والطارئين. وأخيرا دخلت على الخط موسكو التي دعمتهم نكاية بأنقرة قبل أن تراجع حساباتها، فالمكاسب الاقتصادية والسياسية المرجوة من هذه المصالحة تفوق تلك التي من الممكن أن تجنيها من وراء مساندة الأكراد الذين باتوا يعتمدون الآن على دعم عسكري أميركي.
الموضوع الكردي صار محورا أساسيا في المشاورات التي تجرى حول الملف السوري. ودخول القوات الكردية إلى منبج غير كل المعطيات. هذه المدينة ستكون جسرًا يربط بين القطاعات الثلاثة للمشروع الكردي الحلم، الجزيرة وعين العرب وعفرين، حيث يتصل قطاعا الجزيرة وعين العرب، بعد سيطرة الأكراد على الشريط الحدودي مع تركيا كاملًا، ويبقى الجيب ما بين الضفة الغربية للفرات وعفرين. وهنا حضرت المخاوف التركية من اقتراب تحقيق الحلم الكردي بإقليم مستقل في المحادثات بين الرئيس التركي ونظيره الروسي في بطرسبرج.
وهنا أيضا تبدلت اللغة ما بين طهران وأنقرة. ولعل الاشتباك الأسدي الكردي في الحسكة كان أشبه بتبادل الرسائل مع أنقرة ومؤشر إلى تفاهمات إقليمية جديدة فرضها التقارب الروسي- التركي، بعد خلاف خلط الكثير من الأوراق. وإيران التي يزورها أردوغان قريبا مهتمة أيضا بإعادة تحجيم الأكراد. فهي لا تطمئن لسوريا فيدرالية تشجع الأقليات الأخرى والأكثرية أيضا على المطالبة بحقوقها. إذن.. كبح التطلّعات الكردية يشكل جسراً جديداً بين أنقرة وطهران.
الأكراد يعيدون خلط الأوراق في المنطقة، فهل إن معركة الحسكة في التوقيت والشكل وفي ظل الرد الأميركي الخجول، مدخل لاتفاق دولي على تحجيم دورهم ميدانيا على الأقل أو إنذارهم بالتريث وعدم الجموح؟ وهل بات الأكراد الذين أنعش أحلامهم الاستقلالية والدعم الغربي باتوا على موعد مع خذلان جديد بعد لقاء بوتين وأردوغان وعودة الحرارة إلى العلاقات التركية- الإيرانية؟
واضح أن الرحلة طويلة وعنيفة. لكن لا يمكن النظر إلى مصير أكراد سوريا خارج مصير سوريا ولا إلى أكراد العراق خارج مصير العراق، فهؤلاء لايمكن إعادتهم خمس سنوات إلى الوراء وأولئك لايمكن إرجاعهم إلى ما كانوا فيه قبل أكثر من عقد. كما لايمكن مطاردة أكراد تركيا إلى الأبد، وإبقاء مناطقهم في إيران مغلقة بحجر. لابد من حل يعترف بالاختلاف وبحق الآخر في ممارسة اختلافه ضمن سقف القانون والمساواة بين الجميع.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
24/08/2016
2869