+ A
A -
معظم الناس لا يفرقون بين الديـن، والثقافة الدينية..
يصعب عليهم الفصل بين الديـن (بنصوصه الثابتة وأركانه الواضحة)، وبين الثقافة الدينية (التي تتنوع وتختلف باختلاف التفسيرات والأفهام وتعدد الطوائف والثقافات والبلدان)..
الدين ما أنزله الله على نـبـيه خالصا نقـيا، أما الثقافة الدينية فهي التفسير المحلي والفهم الخاص لنصوص الديـن (الذي قد يكون متشددا أو متساهلا أو حتى خاطئا)..
الدين يلزمك بالنص والتشريع والعبادات، بينما الثقافة الدينية تلزمك بتفسيرها الخاص للنص والتشريع والعبادات..
الدين يخبرك بمحرمات محدودة وواضحة لا خلاف حولها (كالخمر والميسر ولحم الخنزير) في حين تخـتلق الثقافة الدينية مئات المحرمات والفتاوى الظنية التي تتوافق مع العادات والتقاليد ويختلف حولها الناس..
ثوابت الدين لا تـتغير بمرور الزمن ولا تختلف حولها المذاهب (هل سمعت مثلا بمذهب إسلامي واحد يحلل الخمر أو لحم الخنزير؟) في حين تتنوع الثقافات الدينية بحسب العصور وتنوع المواقع وتطور المجتمعات..
ليس أدل على ذلك من تعدد الثقافات الدينية بين الدول الإسلامية ذاتها وحقيقة أن الثقافة السائدة في السعودية مثلا لا تشبه الثقافة السائدة في ماليزيا، والثقافة السائدة في أفغانستان لا تشبه السائدة في دول البلقان..
ليس أدل على وجود فرق بين الدين والثقافة الدينية من تـبدل مفهوم المحرمات داخـل المجتمع الواحـد.. فقد مضى علينا زمن كنا نمنع فيه الراديو والتليفزيون وتعليم الفتيات، ومررنا بزمن منعنا فيه كاميرات الجوال والأطباق الفضائية والسفر للخارج، ومازلنا نعيش في زمن نمنع فيه السينما والتشريعات المدنية وقيادة المرأة للسيارة (وأفضّل استعمال كلمة مـنع وليس تحريما كي لا نتهم المجتمعات الإسلامية التي تسمح بذلك)..
ومع هذا أعترف بصعوبة الفصل (داخل المجتمع الواحد) بين الديـن من جهة والثقافة الدينية من جهة أخرى.. فالاثنان يشتركان عناصر تحمل ذات المسميات كالقيم والسلوك والأخلاق والمحرمات الاجتماعية.. وهذا التمازج يجعل معظم الناس لا يفرقون بين المحرم الديني والمحرم الثـقافي ــ ويجعل بعضهم يكـفر الآخر على أساس ثـقافي وليس دينيا.. بدون أن يدري هو نفسه..
صحيح أن الدين قـد يشكل أساسا لثقافة جديدة (كما حدث في مجتمع المدينة الذي تغير بسرعة بعد الهجرة النبوية).. فـنصوص الدين تتحول فور ظهورها إلى مفاهيم مشتركة (فالأنصار والمهاجرون سكبوا جرار الخمر فور سماعهم بتحريمه) وتشريعـاته تتحول بسرعة إلى أعراف وتقاليـد جديدة (فـجرائم الشرف بنيت على تحريم الزنا والخلوة المحرمة)..
إلا أن توالي القرون يجعل الثقافة الدينية ترتد على النصوص الشرعية وتعود لتفسيرها بحسب المتغيرات الجديدة.. ترتد كطقوس مقدسة (خالية من الروح والجوهر) لـتـتفق مع أعرافها القديمة أو مصالحها الطارئة. فالدين مثلا يأمرنا بعدم أكل أموال الناس بالباطل (وهذا هو الهدف الأساسي من تحريم الربا) ولكن المصالح المادية تضغط لخلق ثقافة تبرير جديدة تأكل أموال الناس بالباطل تحت مسمى «أسلمة المعاملات».. الدين مثلا يأمر المرأة بالاحتشام والرجل بغض البصر، غير أن المجتمعات الذكورية تتجاهل الرجل وتُـدخل المرأة في حالة من العزلة الكاملة (ليس في اللباس فقط بل وفي طرق التعامل، ونوعية الوظائف، وتخصيص المباني ووسائل المواصلات)..
وحين تتحـول الثقافة الدينية إلى مجرد طقوس وإجراءات شكلية تصبح طريقة أخذ المال (وليس المال ذاته) هي الفرق بين الحلال والحرام.. يصبح لون وهيئة الحجاب (وليس الحشمة ذاتها) هـو هـمنا الأول وشغلنا الشاغل..
ما أهدف إليه في هذا المقال هــو ضرورة التفريق بين الديـن المجرد (بنصوصه الواضحة ومحجته البيضاء)، وبين الثقافة الدينية (التي تتنوع بتنوع المجتمعات وتبدل العصور واختلاف المفاهيم)..
يجب أن نفهم الفرق بين الاثنين لأن تضخم ثقافتنا الدينية (على حساب مقاصد الدين الأصلية) حولنا إلى مجتمع وعاظ دون أن نتعـظ أو نسبق الأمـم في قيم النزاهة والأخلاق.
بقلم : فهد عامر الأحمدي
copy short url   نسخ
24/08/2016
18072