+ A
A -
بداية أود أن أشير إلى أنني خريج من جامعة قطر، وأفتخر بجامعتي الوطنية التي أكن لها كل تقدير واحترام، لأنني نهلت منها المعرفة التي أهلتني لأكون مواطنا صالحا، وفتحت شهادتها لي الأبواب لأعمل في أكثر من جهة بمناصب قيادية، ولولا هذه الشهادة من جامعتي هذه التي أفتخر بها لما وصلت إلى ما وصلت إليه ولما وصل إليه الآلاف من خريجيها القطريين وغيرهم الذي تزين صورهم اللافتات في شوارع قطر تحت شعار «هذه جامعتي». ولقد فاجأني الخطاب الذي ألقته الأستاذة الدكتوة شيخة المسند رئيس جامعة قطر في محفل دولي كبير في جامعة دلهاوزي الكندية لمناسبة منحها درجة الدكتوراه الفخريّة في القانون، تقديراً لإنجازاتها المتميزة في قطاع التعليم، وقد تسلّمت د.المسند هذا التقدير -والذي يعتبر أعلى درجة تقديرية تمنحها الجامعة المذكورة - في حفل تعيين د. ريتشارد فلوريزون بمنصب رئيس الجامعة في الرابع من أكتوبر الماضي. فاجأني الخطاب الذي يستحق النقاش كلمة كلمة كونه مسح 30 سنة من عمل الجامعة منذ انطلاقتها لحين تولي سعادتها الرئاسة في عام 2003، حيث قالت «عندما توليت منصبي كرئيسة لجامعة قطر عام 2003، أتيت لتحقيق مهمة محددة زمنيا لتحقيق الهدف في الجامعة التي تعتبر تقليدية كباقي جامعات الدول العربية التي تدار حكوميا، لذا فقد بدأت بتشكيل فريق للعمل لأنه بطبيعة الحال لن أعمل وحدي. وعلى الرغم من أنها كانت الفترة الأصعب في تاريخي العملي إلا أنها الأكثر تشويقا، لأننا بدأنا فعليا من الصفر، كان من الأسهل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون في إعادة بناء الجامعة، واستكمال التغييرات الموجودة بالفعل، إلا أنه فعليا كان الأمر صعبا، لأننا بدأنا من الصفر، فكان علينا أن نضع المعايير والإجراءات والخطط الأولية والمعايير الأكاديمية وكل شيء وهو ما كان صعبا بالفعل». نعم يا دكتورة، نحن نشهد أنك حين تسلمت الجامعة كان يرأسها قبلك أساتذة قطريون أفاضل وواكبوا مسيرة التعليم ووضعوا الخطط والاستراتيجيات. فلم يكن العمل من الصفر أليس في قولك هذا سيادة الرئيس اغفال لجهد رجال عملوا بإخلاص وتخرج أثناء قيادتهم للجامعة رجال منهم الوزراء ومنهم الوكلاء ومنهم القياديون في مؤسسات الدولة المختلفة المدنية والأمنية وهم من تحمل ويتحمل مسؤولية مسيرة البناء والتنمية في الدولة على مدى العقود الأربعة الماضية ومازال، وتعتمد الجامعة في الترويج لبرامجها في حملتها «هذه جامعتي» على هذه القيادات الذين اختارت صورهم وجلهم من خريجي الجامعة قبل توليك لمسؤولية رئاستها التي نعز ونقدر جهودك فيها لمواصلة التطوير ولكن اغفال جهد الآخرين ومسحه ليس من شيم الأكاديميين الذين يستلمون الرسالة ويسلمونها من جيل إلى جيل فتذكرهم الأجيال على مدى التاريخ، وهذه المجموعة من الوزراء الذين تخرجوا من الجامعة يحظون باحترام وتقدير طلابهم الذين علموهم وتخرجوا في عهدهم. إن في هذا إجحافاً بحق عراقة الجامعة الوطنية الوحيدة وإلغاء لجهود الدولة في تبني التعليم العالي منذ سنوات طويلة وفيه إلغاء للإنجازات القطرية والمشاريع التنموية التي قامت على عاتق وجهد أبناء قطر الذين تخرجوا من هذه الجامعة وذلك حينما تلغى مهنيتهم وتمكنهم الأكاديمي والمعرفي والمهاري. وتقولين إنك حين استلمت الجامعة كانت تدار بطريقة تقليدية كجهاز حكومي وأنك كنت تحملين رؤية للتطوير وإنه كان من الأسهل بناء جامعة جديدة أفضل من البداية من الصفر والسؤال هنا : أين رؤية جامعة قطر من رؤية الدولة 2030؟ فلقد ركزت على رؤية الجامعة دون توضيح كيفية ربطها مع رؤية قطر وهل هذه الرؤية تقوم على طرد 1000 طالب قطري من الجامعة لعدم قدرتهم على تحقيق المعايير. وكم آلمنا أنك في محفل كمثل هذا المحفل تقللين من معرفة أبناء قطر بقولك. «أتذكر أيضا أننا في السنة الأولى التي توليت فيها هذا الأمر غادر الجامعة نحو 1000 طالب بسبب المعايير الأكاديمية التي قمنا بتعديلها ليستطيع الطلبة الدخول والخروج من الجامعة» غادروا أم طردوا؟ أليس في هذا ألم في كل بيت قطري، فألف طالب يمثلون كل قطر وفق قولك اننا بلد صغير وشعب قليل فطرد ألف طالب يشكل مصيبة في مثل مجتمعنا. أين دورك الوطني التربوي تجاه هؤلاء الطلاب في ظل عدم وجود الخيارات الأكاديمية والمهنية الأخرى التي من الممكن استيعابهم في تلك الفترة؟ ولم لم تتكفلي في ظل قلقك على دافعية الشباب نحو التعليم بتوفير أي نوع من الدعم الذي يجعلهم متوافقين مع المعايير التي وضعتها دون سابق إنذار أو معرفة لهم؟. وكان الأجدر أن يواصل هؤلاء الطلاب التعليم وفق المعايير السابقة والتي تشرفنا بالتخرج منها لحين بدء تخريج المدارس المستقلة لأفواج مؤهلة للدراسة في جامعة قطر وفق معايير معلبة ومستوردة من جامعات نرى أن خريجينا أفضل منهم. لقد توقعنا خطابا من رئيس جامعة قطر يفخر بما حققته الدولة من إنجازات لا القول إنها بلد صغير حين قلت «سأتحدث هنا عن تجربتي وخبرتي الخاصة في بلدي قطر، ولا أعلم إذا ما كان الجميع يعرف عن قطر، فهي بلد صغير واقع في الخليج العربي، ونحن محظوظون بالاقتصاد الكبير في دولة صغيرة نسبيا» نحن صحيح بلد صغير وكل العالم بات يعرف قطر بأنها مصدر الطاقة النظيفة وأنها باتت تفتح أبوابها لجامعات عريقة أميركية وأوروبية وكندية وأنها سوف تستضيف كأس العالم 2022، قطر صغيرة في مساحتها لكنها يا سيدتي كبيرة بما ينقله الآخرون عنا وعن إنجازاتها في مختلف المجالات آخرها أن سياسة قطر وإنجازات قطر وضعتها في الفضاء مع «سهيل سات». أما أن تكون إجراءاتك سببا في خروج ألف طالب قطري من الجامعة ليتشتتوا ويتغربوا في أصقاع الأرض يبحثون عن التعليم بعد أن لفظتهم جامعتهم ثم تقولين انك لا تفعلين شيئا يغضب الله. أليس في هذا ظلم للطالب وفي الظلم ما يغضبه سبحانه؟. لقد آلمنا الخطاب حين تصفين شباب قطر بأنهم لا يبحثون عن فرص ومبادرات للعمل وتحمل مشقته بل يبحثون عن استحقاقات ومناصب وإنك تبحثين «عن طريقة لدفع الطلبة للوصول إلى مستوى المعايير المطلوبة وتحقيق خبرات ليستطيعوا التنافس مستقبليا». لا أريد أن أضرب لك أمثلة على تحمل شباب قطر لمشقة العمل في شركات النفط وفي المؤسسات الكبرى وفي العمل الدبلوماسي وفي المشاريع الكبرى القائمة نريد منك في برنامج «هذه جامعتي» الذي تستضيفه الجامعة أن تطلبي من الضيوف أن يقدموا نبذة عن كفاحهم وعملهم وعن مبادراتهم وتحملهم لمشقة العمل. إن في هذا إجحافا بحق الشباب القطري يا دكتورة. أرجو أن تعيدي النظر مرتين في ما قلت وفي ما كتبت لتقوليه أمام مثل هذا المحفل الذي ضج بالضحك لسوء اختيارك للكلمات التي وصفت بها شعبك. وأما ما يثير حقيقة حفيظة أجهزة الإعلام قولك إنك تواجهين تحديا مجتمعيا لأن الصحف المحلية تنشر أخبارا على صفحاتها الأولى عن الجامعة حتى في حالة طرد طالب، أو ليس هذا الطالب مواطنا من حقه أن يعلن مشكلته ويتحدث بها إلى وسائل الإعلام؟ بل كان الأولى في مثل هذه الحالة أن تصدر الجامعة بيانا تبين فيه أسباب طرد هذا الطالب أو ذاك، وللطالب حق التوضيح وحين ننشر عن التعليم فإننا نتطلع إلى تصحيح ومعالجة الثغرات لا الكشف عن فضائح. وحديثك عن الأبحاث وتهميشك لأبحاث الإنسانيات والآداب وتأكيدك على الأبحاث التطبيقية، أعطى صورة على التخبط البحثي في الدولة. توقعنا منك يا دكتورة أن يكون خطابك ناقلا للصورة الحضارية التي وصلت إليها قطر وأن شبابها الذين خرجتهم الجامعة يتولون مسؤولية مشاريع كبرى، ويفخرون بجامعتهم (جامعة قطر)، والتي بها أفخر وأعتز وسأحمل مدى عمري العرفان والتقدير والاعتزاز لها وأن شهادتها ستكون هي الدافع لي لمواصلة العطاء في بلدي وأن أواصل تحمل مشاق المهن التي تسند إليّ وأن أبحث عن الفرص والمبادرات لا المناصب والاستحقاقات. وبعد، لقد أمضيت في الجامعة أكثر من 10 سنوات وهي أطول مدة يقضيها رئيس للجامعة منذ تأسيسها .. فهل حان الوقت أن يستلم الجامعة أصحاب رؤى من الذين أعدتهم الجامعة لتولي القيادة التعليمية؟ ولك من ابنك خريج جامعة قطر كل التحايا.





عبدالرحمن القحطاني



copy short url   نسخ
27/11/2013
4115