+ A
A -
كيمياء التطرف تتمثل في تماهي العقيدة مع الذات بحيث تصبح هي الذات، ويصبح بالتالي أي نقد أو مخالفة تُرى لهذه العقيدة هي في الأساس موجهة إلى الذات واستقصائها. فالمتطرف لا يرى تلك المسافة الضرورية التي تفصل بين الذات الإنسانية المتمثلة في خلق الله أجمعين وبين العقيدة التي يتبناها هو، وقد لا يتبناها غيره من الناس، بل من الواقع أن لا يعتنق الجميع نفس العقيدة الواحدة لان سنة الله تقتضي الاختلاف، فتراه يثور عندما يرى أو يسمع من يخالف عقيدته أو عندما يرى البعض يعتنق عقيدة أخرى فيصبح الأمر لديه قضية وجود ولان قدرته على التحمل أو معايشة أصحاب العقيدة الأخرى ضئيلة ولأنه يرى في ذلك فناءً للذات واضمحلالها فيسعى إلى إلغاء الآخرين بشتى السبل المتاحة، فيُقصي إذا أمكن الإقصاء، ويقتل عندما يكون ذلك ملجأ لابد منه.
فناء الذات في العقيدة هو كيمياء التطرف التي يجب إيقاف تبلورها وتفكيك جزيئاتها بشكل أو بآخر. ثمة وسائل عديدة لفعل ذلك منها بل من أهمها اللجوء إلى الأسبقية التاريخية لوجود كل من الذات والعقيدة والتركيز على أن الذات هي الأساس أو هي صاحبة الأسبقية قبل تبني أي عقيدة كانت بمعنى إن الإنسان يولد ذاتاً ومن ثم يتبنى العقيدة التي يشاء وللعوامل الجغرافية والاجتماعية تأثير في ذلك لاشك.
وللذات الإنسانية صفات تميزها عن غيرها من الذوات المخلوقة فهي إنسانية الطابع أي تقبل التعايش وإن كانت مختلفة في اللون والشكل واللسان فمن الضرورة بمكان ألا تغير العقيدة المتبناة من هذه القابلية الإنسانية للتعايش، بمعنى آخر أن تحافظ هذه العقيدة على إنسانية الذات وإن بنت فوقها رؤيتها المختلفة وتصورها للكون ولها كل الحق في الدفاع عن ذلك، والاستماتة في ذلك، بشرط أن يبقى الأساس في حرمة الذات الإنسانية وأحقيتها في الوجود والتواجد.
التراكم والفهم التاريخي الذي أدى إلى فناء الذات في العقيدة هو الكيمياء التي يخرج بها المتطرف من المختبر فيرى العالم بشكل أحادي وضيق، فلا إنسانية دون ما يعتقده، ولا عقيدة غير تلك التي تخرج مع أنفاسـه، والعالم بالنسبة إليه بؤرة ضيقة لا تحتمل الغير المختلف، إن إشكالية التطرف في كونه يبدأ بالبعيد ثم يأتي على القريب. فذوات الآخرين تنكمش باستمرار لينفرد المتطرف وحده ذاتاً وعقيدة، كنت أرى ولا أزال أن عملية التدريس يجب أن ترتكز على مستويات، أولها المستوى الإنساني ومن ثم المستويات الاخرى بما فيها البعد الديني، فاختلاف المدارس على أشكالها من الضرورة ألا يخرج عن هذه المستويات فلا يخرج أصحاب أي من هذه المدارس بأولوية أخرى ترى في اعتقادها الديني أسبقية أو أثنيتها أو عنصرها الاجتماعي على العامل الإنساني المشترك لجميع بني البشر. لا انفكاك من خطورة التطرف إلا بإدراك بأن هناك مسافة بين هذه الذات الإنسانية التي تقوم عليها الحياة واستمرارها وبين ما تعتقد به، وأن تطرفها يبدأ في تماهيها مع ما تعتقد بشكل ينسيها بعدها الإنساني ويجنح بها إلى شاطئ الإقصاء الذي يرى في الآخرين ذواتاً لا تستحق الحياة، لا لشيء إلا كونهم مختلفين وفي ذلك تجن على ما جاءت به جميع الأديان والرسالات.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
21/08/2016
915