+ A
A -

(1)
كثيرةٌ هي الدراسات التي عُنِيَت واهتمَّت برصد مظاهر وسمات الشبه والتقارب بين السودان وموريتانيا.
تستغرق الرحلة من الخرطوم إلى نواكشوط، عبر الرحلات الجوية وخطوط الطيران، ما يُقارب السِّتَّ عشرةَ ساعة.
رغم فارق المسافة والزمن، لا يغيب عن زائرٍ أو متابعٍ، تعدُّدُ أوجه الشبه بين الشخصية السودانية والموريتانية، في سمات الشكل الخارجي والأزياء - خاصة النسائية منها - وحتى في تقارب قاموس اللهجات العامية في بعض الكلمات والعبارات.
صديقنا سعادة السفير خالد فرح، يمضي أكثر في هذا الاتجاه؛ إذ يقول: «مهما يكن من أمر، فإن من بين القواسم المشتركة الكثيرة بين موريتانيا والسودان، هذا الإحساس المُمضُّ بالتجاهل والتهميش الفكري والثقافي، الذي ظلَّا يحسانه من قبل الآخرين.
وهو تجاهل وتهميش وثيق الصلة بتاريخ هذين البلدين، وبمشخصات هُويَّتيْهما الوطنية.
فكلا البلدين صنعا عروبتهما وإسلامهما صُنعاً بطريقتهما الخاصة.
لم يأتياهما فتحاً واغتصاباً، بل هجرةً ورباطاً وتجارةً ودعوةً متسامحةً وطرقاً صوفيةً وعلماء جائلين».
(2)
يبدو أن التشابه لا يقتصر على كُلِّ ما سبق؛ فثمَّة عملية سياسية تتم في موريتانيا، تبدو شديدة الشبه بالعملية السياسية التي تجري في السودان، واختير لها اسم الحوار الوطني.
الحكومة الموريتانية كثفت اتصالاتها مع أطياف المشهد السياسي الموريتاني المعارض، للتعجيل بترتيب حوار سياسي أريد له أن يكون شاملاً.
الحوار دعا له الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، في مستهل السنة الماضية، وقال إنه يرغب في أن يكون حواراً بلا خطوط حمراء.
الحكومة الموريتانية أجرت اتصالات، بعضها سرية وأخرى علنية، مع قوى المعارضة للمشاركة في الحوار الوطني.
كانت خلاصة تلك المشاورات الموافقة على جُلِّ الضمانات التي طلبتها المعارضة، ولم تبقَ سوى عقبة أو اثنتين، أمام مشاركة كل الحركات المعارضة في موريتانيا.
(3)
لو أنك عزيزي القارئ قمت بحذف اسم دولة موريتانيا من الأخبار التي يطرحها العم قوقل، ووضعت اسم السودان على تلك الأخبار، لما احتاج الأمر لتصحيح المحتوى أو تعديله.
في يناير 2014م، أعلنت الحكومة السودانية عبر رئيسها المشير عمر البشير، أن مؤتمر الحوار الوطني سيكون شاملاً لكل أهل السودان، ولن يستثني أحداً منهم، وسيكون بلا سقف محدد ولا خطوط حمراء، كل القضايا والمواضيع قابلة للحوار والنقاش.
(4)
دائما توجد لحظة فاصلة في عمر الحكومات، تفرض عليها اتخاذ خطوات ضرورية، لإحداث تغيير وإصلاح جذري، لتفادي أسوأ السيناريوهات.
زين العابدين بن علي، استوعب الدرس بأثر رجعي، ولكن بعد مرور تلك اللحظة المفصلية.
معمر القذافي ذهب إلى حتفه في مجرى مياه الصرف الصحي، وهو لا يؤمن بتلك اللحظة.
حسني مبارك فعل كُلَّ ما بقوته لتفادي تلك اللحظة، ولم يستيقن مصير الفشل إلا وهو في قفص الاتهام، يرد على نداء القاضي باسمه المجرد من الألقاب بـ(أفندم).
بشار سوريا، وصالح اليمن، يحتميان بكل شيء: أرواح النساء والأطفال، وكل المباني والمعاني؛ حتى لا تدركهما تلك اللحظة المصيرية.
حينما تمضي تلك اللحظة خارج توقيت ساعة الحاكمين، لا يكون أمامهم من خيار سوى انتظار الفاجعة.
(5)
السودان وموريتانيا، قبل الساعة الخامسة والعشرين، اختارا خيار الانتقال الديمقراطي المتدرج عبر آلية التفاوض مع المعارضين.
copy short url   نسخ
21/08/2016
5090