+ A
A -
فتحت عملية «تحرير سرت» بابا جديدا للجدل حول الدوافع الحقيقية من ورائها، فيما إذا كانت مجرد تدخل عسكري غربي تقوده الولايات المتحدة بشكل صريح، هدفه هزيمة تنظيم «داعش» في سرت، أم عملية أوسع نطاقا من ذلك تهدف إلى استعادة السيطرة الغربية على منطقة النفط الليبي.
من حيث المبدأ لم يكن هناك أي اعتراض على ضرورة إلحاق الهزيمة بداعش لما هو معروف سلفا عما يمثله التنظيم الإرهابي من مخاطر جمة ليس على ليبيا وحدها بل على المنطقة والعالم أجمع. ولكن الملابسات التي أحاطت بعملية تحرير سرت، خصوصا المواقف المتضاربة من جانب السراج وحكومته حول القبول من عدمه بالتدخل الأجنبي، وسعت من دائرة الاشتباه في حقيقة المواجهة الجارية في البلاد للقضاء على الإرهاب، والعودة مجددا للخيار العسكري لحل الأزمة الليبية بعد التعثر الشديد في تفعيل الحل السياسي الذي ارتضاه المجتمع الدولي وانقسم حوله الليبيون.
لم يكن السيد السراج في حاجة لأن يضع نفسه في مواقف متضاربة تسمح لمعارضيه بشن هجوم سياسي شرس عليه، كما أنه بالمقابل لم يكن مفهوما أن يتخذ المعارضون هذا الموقف لسبب بسيط هو أن مبدأ التدخل العسكري الأجنبي موجود من الأصل، وذلك من خلال التحالفات الدولية للحرب على الإرهاب، وليبيا ليست بعيدة عنها. فقط تحتاج قيادته للحصول على الموافقة الرسمية من الطرف الذي يطلب المساعدة، وهو ما حصل بالفعل. ليس هناك من عربي يقبل بالتدخل الأجنبي، ولكن في زمن التردي العربي أصبح أمرا كهذا مفهوما حتى لو لم يكن مقبولا.
إذا حررنا المشهد الليبي المرتبط بعملية تحرير سرت من المزايدات وكل أشكال المكايدة السياسية التي ابتليت بها الشعوب والحكومات العربية في السنوات القليلة الأخيرة، ووقفنا عند الحسابات الجادة للأطراف الغربية التي هبت فجأة للتدخل العسكري مجددا في ليبيا لوجدنا أن هناك عوامل وتقديرات أخرى كانت وراء هذه العملية تتجاوز حسابات القوى الليبية وخلافاتها على حكم البلاد.
لنا أن نتذكر أن باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة كان قد أكد منذ عام 20014 أن الحرب على «داعش» طويلة وتمتد لتشمل بلاد أخرى بجانب العراق وسوريا.
ومنذ بداية العام تزايد قلق واشنطن من التنظيم وانتشاره خارج مركزه خصوصا بعد أن شهدت فرنسا أكثر من حادث إرهابى مروع وامتدت الأحداث إلى بروكسل وأنقرة ووصلت إلى الولايات المتحدة ذاتها، وكانت أصابع «داعش» واضحة فيها. ولذلك كان أوباما محقا عندما قال إن التدخل جاء حرصا على اعتبارات الأمن القومي الأميركي. هزيمة «داعش» الآن تعطى دعما سياسيا لحزبه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر القادم) خصوصا أنها تتزامن مع نجاحات أميركية واضحة في المعركة مع التنظيم في العراق. ومن جهة أخرى هي طمأنة لحلفائه الغربيين على أمنهم القومي.
هزيمة التنظيم تعنى أن ليبيا على طريق الاستقرار الأمني، ومن ثم تحقيق وجود سلطة شرعية قادرة على تحمل مسؤوليات دولة، وبالنتيجة النجاح التدريجي في وقف تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
ولكن هناك هدفا آخر لا يقل أهمية عن ضرورة إيقاع الهزيمة بالتنظيم دون إبطاء، وهو الحفاظ على المصالح النفطية الغربية في الشرق الليبي. ما حدث مؤخرا هو اندلاع صراع بين سلطة الغرب (طرابلس) وسلطة الشرق (بنى غازى) وتحديدا من الناحية الأمنية بخصوص حماية المنشئات النفطية الليبية أو بالأحرى التحكم في الموارد النفطية.
التدخل الغربي العسكري رسالة بأن تكون المنشئات تحت تصرف الحكومة الشرعية في طرابلس ورفض رغبة الجيش الليبي بقيادة حفتر إدارة أمن هذه المنشآت. التدخل يعني الحفاظ على مصالح الشركات الغربية العاملة هناك وفقا لما تراه العواصم الغربية المعنية. السيطرة على سرت والقضاء على «داعش» فيها مهم للغاية لأن سرت هي المتحكمة في الوصول إلى المنطقة النفطية.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
20/08/2016
2527