+ A
A -
الوسواس القهري باختصار هو سيطرة مجموعة من الأفكار على عقل الشخص بشكل لا انفكاك منه بحيث تشكل حلقة دائرية لا تبتعد حتى تعود ومصادر هذه الأفكار مختلفة ومتعددة. يجب التفريق بين حالة الوسواس القهري الفردية المرضية وبينه عندما يصبح حالة اجتماعية بمعنى عندما يكون عبارة عن تصورات تسيطر على المجتمع بشكل ضاغط وتعمل على مقاومة التغيير والتطور لديمومتها في الذهن واحتلالها وسيطرتها للضمير ذاته بحيث تصبح مخالفتها تأنيبا للضمير، والمعروف أن الضمير الإنساني يتكون من مصادر عدة منها البيئي والديني والاجتماعي. تسيطر هذه المصادر على المجتمع بشكل تمنع معها فضيلة الفرز فيتضخم الدين ويتراكم الاجتماعي وتتعقم البيئة بشكل يصبح الاقتراب منها خطيئة تستحق العقاب. مجتمع الوسواس القهري لا يتطور لأنه يعيد إنتاج نفسه، مجتمع الوسواس القهري ينتج الماضي ليعيش فيه حاضره، مجتمع الوسواس القهري مجتمع رموز وتماثيل وآلهة، لا يعرف النقد. مجتمع الوسواس القهري مجتمع شك، الجميع يشك في الجميع، الشعور بالنقص وعدم الكمال فضيلة لكنها في مجتمع الوسواس القهري عذاب لأنها بحث عن طوبائية غير متحققة، وبذلك ليس هناك إنجاز مهما تم بل استمرار في جلد الذات والتأنيب. تتحول الأفعال فيه إلى قسمين، أفعال المجتمع وأفعال ومكونات الوسواس القهري ذاته سواء الدينية «التاريخ الديني بكل محتواه وشخوصه أو الاجتماعية كالزعماء والرؤساء وآلهة الأرض، فتمجد الشخوص وتعظم النفوس وتتحول الحقوق إلى مكرمات وفضائل فيزداد ضغط الوسواس القهري على المجتمع فيأتي التشكيك في موت القائد وبأنه لم يمت وإنما انتقل وروحه باقية بيننا ولابد من إكمال المسيرة وهكذا. يحاول أفراد المجتمع الخروج من هذه الحالة «حالة الوسواس القهري المجتمعي» بعد تشخيصهم لها ولدورها السلبي عليهم وعلى مجتمعهم عن طريق وسيلتين أما عن طريق الدروشة والانعزال وعدم المشاركة في صنع مستقبلهم وحاضرهم وأما عن طريق الانقلاب التام الراديكالي على أسس المجتمع ككل والبحث عن نموذج آخر من بيئة أخرى. وكلا السبيلين لا يؤدي إلى نجاة حقيقية.. مجتمع الوسواس القهري يحتاج إلى مراجعة تاريخية لماضيه وتموضع جديد لفكرة الإنسان فيه.
عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
18/08/2016
1348