+ A
A -
عرفت العلاقات بين بريطانيا واسبانيا حروباً عديدة ؛ أهم تلك الحروب كانت في عهد الملك الاسباني فيليب الثاني الذي سمّيت الفلبين على اسمه بعد أن جرى ضمّها إلى التاج الاسباني.
مكّنت معركة «الطرف الأغر» البحرية الفاصلة، الأسطول البريطاني بقيادة الأدميرال نلسون (الذين ينتصب تمثال ضخم له في قلب لندن)، من تدمير الاسطول الاسباني (الأرمادا). يومها كرّست بريطانيا انتصارها باحتلال البوابة الضيقة بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
كان ذلك في عام 1713. ومنذ ذلك الوقت أصبح جبل طارق ( نسبة إلى طارق بن زياد الفاتح العربي للأندلس)، تابعاً للتاج البريطاني.
لا يزال الجبل –أو الصخرة- جزءاً من بريطانيا حتى اليوم رغم أن اسبانيا طالبت مراراً باستعادته إلى سيادتها. ولما فشلت، حاصرت الجبل مرتين حصاراً خانقاً، الا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً. وقد كرس تبعية الجبل لبريطانيا استفتاءان أجريا بإشراف الأمم المتحدة.
يبدأ الآن فصل جديد في هذه القصة التاريخية بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. فالذين صوّتوا مع الخروج من سكان جبل طارق بلغ عددهم 823 شخصاً فقط. اما الذين صوتوا للبقاء في الاتحاد فهم الأكثرية الساحقة: 19.322 شخصاً.
كان طموح سكان جبل طارق تحويله إلى «هونغ كونغ» أوروبية. الا أن هذا الطموح تبدد اليوم. فكيف يستطيع الجبل أن يلعب هذا الدور بمقاطعة اسبانية، بل بحصار اسبانيا من جهة، وبالانسحاب من الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية؟..
رئيس حكومة الجبل فابيان بيكاردو فتح ملفين في وقت واحد بعد اعلان نتائج الاستفتاء في بريطانيا. الملف الأول هو التنسيق مع اسكوتلندا باعتبار أن سكانها صوتوا بأكثريتهم الساحقة أيضاً للبقاء في الاتحاد الاوروبي. وتطالب رئيسة الحكومة الاسكوتلندية بإجراء استفتاء جديد لاتخاذ موقف من الاستمرار أو للانسحاب من المملكة المتحدة. فإذا صوّت الذين أيدوا البقاء في الاتحاد الأوروبي لمصلحة الانسحاب من المملكة المتحدة، فإن ذلك يعني فتح صفحة جديدة في التاريخ البريطاني.. وبالتالي في التاريخ الأوروبي الحديث.
غير أن هذا الخيار ليس متوافراً لجبل طارق. فالانسحاب من المملكة المتحدة يعني تحويله إلى لقمة سائغة في فم اسبانيا المتعطشة لاسترجاعه والسيطرة عليه. من أجل ذلك وضع رئيس الجبل برنامج عمل يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:
• البقاء في المملكة المتحدة.
• إجراء مباحثات مع الاتحاد الأوروبي لإقامة علاقة ثنائية على غرار تلك التي يقيمها الاتحاد مع النرويج مثلاً.
• الانفتاح على المغرب، الدولة المجاورة يُرى الشاطئ المغربي من جبل طارق بالعين المجردة. ومن خلال المغرب يكون الانفتاح على افريقيا الغربية.
ولكن للمغرب حسابات أخرى لها بُعد استراتيجي سيادي. فإسبانيا التي تطالب باسترجاع جبل طارق من بريطانيا باعتباره امتداداً لاقليم الأندلس، لا تزال تحتل منذ حرب اخراج العرب من الاندلس منطقتين من شمال المغرب هما سبتة ومليلية. وكما أن بريطانيا تعتبر جبل طارق جزءاً من التاج البريطاني، كذلك فإن اسبانيا تعتبر سبتة ومليلية جزءاً من التاج الاسباني.
حاول المغرب مراراً استرجاع المنطقتين سياسياً ودبلوماسياً دون نتيجة. ذلك أن الوجود البريطاني في جنوب اسبانيا (جبل طارق) يبرر الوجود الاسباني في شمال المغرب (سبتة ومليلية). وذلك رغم أن الدولتين –اسبانيا وبريطانيا- هما عضوان في حلف شمال الأطلسي، ويشرفان على الملاحة بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
رغم ذلك، تمكن المغرب من استرجاع مناطق عديدة أخرى كانت تحتلها اسبانيا، آخرها الصحراء الغربية التي نظم الملك الراحل الحسن الثاني مسيرة شعبية كبيرة (المسيرة الخضراء) في عام 1975 لاسترجاعها بالضغط المعنوي. وكان له ما أراد. الا أن اسبانيا لم تتركه ينعم بانتصاره، فاختلقت تنظيم البوليساريو الذي رفع شعار استقلال الصحراء عن المغرب واعلانها دولة مستقلة. وقد وجد هذا التنظيم دعماً من الجزائر التي لم تكن ابداً على علاقات تفاهم مع الملك الحسن الثاني. ولا تزال هذه القضية مثل الشوكة العالقة في حلق المغرب حتى اليوم.
من هنا السؤال: هل تحرك قضية جبل طارق ملف المستعمرات الاسبانية في المغرب؟.. وهل تفتح مدخلاً إلى معالجة قضية الصحراء المتنازع عليها؟.. ومتى تنتهي حرب الأندلس؟..
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
18/08/2016
3170