+ A
A -
عندما نشر الكاتب البريطاني مارك كيرتس، كتابه: «مدخل إلى العلاقة السرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي»، الصادر عام 2012، فقد أوضح صراحة أنه حصل على معلوماته من الملفات السرية للأرشيف الوطني البريطاني، بعد رفع الحظر عن سريته.
ومن بين ما تضمنه الكتاب أن أجهزة الأمن البريطانية، تستخدم بعض الإخوان المسلمين في لندن، مخبرين وعملاء.
وكان هناك جانب مهم في معلومات الأرشيف الوطني الرسمي، وهو أن البريطانيين اعتبروا القومية العربية عدوهم الرئيسي، وأن ما كان يجمع الإخوان، وتيارات الإسلام السياسي، وأميركا في الوقت نفسه، هو الكراهية للقومية العربية.. وهي كراهيته ليست لمجرد الفكرة في حد ذاتها، لكن لأن خطط تفتيت المنطقة وتقسيمها، تقتضى أساساً، إزاحة مفهوم القومية العربية من الوجود، وتشتيت مكوناتها.
وهو ما كان يتطلبه مخطط بعيد المدى يتحرك على مراحل، هدفه محو الهوية العربية، أو على الأقل الدفع بها، إلى دائرة خليط متصارع من مجموعة هويات أخرى.
ويتم ذلك عبر مرحلة الدفع بهويات منسلخة عن الأمة العربية، إلى الوجود، بتحريض جماعات من أقليات، للمطالبة بالاستقلال والاعتراف بها، كيانات غير عربية.
وأن الوصول إلى ذلك يبدأ بإطلاق موجات الفوضى، التي تشعل نيرانها، الحروب الداخلية، بالشكل الذي جرى في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن.
وتأتى المرحلة الثانية إذا امتلكت هذه الكيانات القدرة على تشكيل تحديات لنظام الدولة القومية في العالم العربي، والحصول على دعم خارجي.
ومن المعروف أن إدارة السياسات الخارجية للقوى الكبرى، يرتبط بها مسار غير رسمي، وهو إطلاق النظريات السياسية، ومن بينها نظريات التفكيك والانقسام، ونهاية عصر الدولة القومية، لتكون مجال مناقشات لعلها تلقى قبولاً وأنصاراً.. وهو ما تناولته دراسة بعنوان: «مشاركة بدون اعتراف» للكاتبين جيمس فيرون، وديفيد لايتين.
ويمضى المخطط نحو تداعيات ما سبق، بأنه يمكن أن يقود إلى انهيار النظام الإقليمي العربي، ممثلاً في الجامعة العربية.. وبعد ذلك يبقى احتمال حصول الكيانات المنشقة عن الدولة الأم، على اعتراف خارجي من بعض الدول.. وهو ما يقطع شوطاً في اتجاه إعادة رسم خريطة الدولة القومية.
كنا في عام 1993، عندما جرى الترويج في بعض مراكز الفكر السياسي في الولايات المتحدة، لعبارة «نهاية عصر الدولة القومية»، منذ ذلك الحين بدأنا نشهد خطوات عملية لخلق البيئة المناسبة لتفكيك الدولة القومية، وإشعال الصراعات الطائفية، خاصة بين القوى المدفوعة بطموحات، وأطماع الانسلاخ عن الدولة الأم، في إطار كيانات تضفي عليها هوية مختلفة.
ومازالت دعاوى التفكيك تتردد، وتجرى لثاني مرة في القرن العشرين، الترويج لمقولة خبيثة هي أن خريطة العالم العربي تقف على حافة إعادة رسمها بصورة موسعة للغاية.. وهي مقولة تحدث عنها كل من ارييل إبرام أستاذ الشؤون الدولية بجامعة فيرجينيا تك، وألين لاست أستاذة إدارة العلوم السياسية بجامعة جوتنسبرج، واللذين قالا– بعبارات خبيثة– إن الدول العربية منذ مولدها، وقدرها مشؤوم، وأن أزمتها الراهنة، كانت حتمية.
أصحاب هذه الدعاوى، يشككون في مفهوم السيادة، الذي يشكل أساس وجود الدولة، والاعتراف بها، وانتماءها للمجتمع الدولي، وأحقيتها في صون نفسها من أي تعدى على هذه السيادة، بمقتضى القانون الدولي، وهذا هو حال الدول العربية في العصر الحديث، من بعد تخلصها من الحكم العثماني، ثم الاحتلال الأوروبي.
وحين قامت انتفاضات الربيع العربي، عام 2011، فلم يكن مطلبها شكلاً متغيراً وجديداً للدولة، بل إسقاط أنظمة حكم مستبدة ومتخلفة.. ثم حدث ما حدث من إشعال نيران الفوضى التدميرية داخل هذه الدول، وكسر قدسية حدودها، لتدخل منها جماعات أجنبية مسلحة، لا تنتمي إلى هذه الدول، ولا تؤمن بوطن أو قومية، لتكمل من جانبها بقية مراحل المخطط القديم، والذي كانت الدولة، والهوية العربية القومية، هي المستهدفة من البداية.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
18/08/2016
2492