+ A
A -
ظلت الأزمة اليمنية تراوح ما بين المفاوضات والمناوشات! فتارة تصعد الخيارات السياسية وتارة تـشـتعل خيارات الحسم العسكري، وبقيت الأزمة مثل الجرح المفـتوح على كل الاحتمالات! فـشل مفاوضات الكويت منح طرفي الأزمة اليمنية مجالا للحركة وتعزيز المواقف حيث ركز حلف الحوثي-المؤتمر على التحرك نحو فرض الواقع السياسي فيما تحرك طرف الحكومة الشرعية وحلفائها نحو فرض واقع الحسم العسكري، فاختلطت الملفات.
على كل حال، الخيارات كلها صعبة خاصة وأن الأزمة اليمنية تـتصف بالغموض والتعقيد والتداخلات والأصابع الدولية البريئة وغير البريئة لذلك يزداد الوضع تعقيدا مع كل تطور جديد سواء على أرض المعركة أو من خلف الكواليس السياسية، لكن رغم ذلك فإن جهود وتحركات طرف الحكومة الشرعية وحلفائه تـنطبق عليها المقولة الشهيرة «كان في الإمكان أفضل مما كان»!
في خضم مفاوضات الكويت أعلن تحالف الحوثي-المؤتمر عن تـشكيل المجلس السياسي الأعلى لإدارة البلاد كما يدّعون وهو مجلس مكون من عشرة أشخاص بالتـناصف بين الحليفين وتكون رئاسته دورية بين الأعضاء ومن مهامه كما جاء في البيان رسم السياسة العامة للدولة (أي دولة)! وإدارة اليمن سياسيا واقتصاديا واداريا واجتماعيا كما جاء البيان مصحوبا كالعادة بالشعارات والصواويخ (التي تذكرنا بحسن نصر الله)! مثل خيار المقاومة وبطيخ مواجهة العدوان! وزادوا أن كل ذلك سيتم وفقا للدستور ولا يعرف المحيطون بالأزمة اليمنية إلا الدستور الممزق بعدوان وتجاوزات الحوثيين وشركائهم. يعتبر المجلس السياسي المعلن توطئة لقيام حكومة كاملة بمجلس رئاسي وقياديين حكوميين يقابلون الحكومة الشرعية التي نصفها في عدن ونصفها الآخر في الخارج! ردود الأفعال السياسية على إعلان المجلس السياسي كانت متـفاوتة فقد رحب به حلفاء الحليفين الشريرين بسرعة ولن يستغرب من الأشرار دعم الأشرار! الحكومة الشرعية اعتبرت الاتـفاق المعلن انـقلابا مكتمل الإركان يذكرها بالانـقلاب القديم وتوقعت استمرار تردي الأوضاع الميدانية والاقتصادية بسبب التعنت الحوثي والدعم الخارجي المتواصل! أما التحالف العربي فقد رفض الاتـفاق المعلن كذلك وشدد على استمرار عملياته في اليمن بشقيها العسكري والإنساني مع بقاء الباب مفـتوحا للمحادثات السياسية وإن كانت الحقيقة الميدانية تقول بصوت مبحوح إن سياسة الحوار المفـتوح بدون نهايات هي مجرد أضغاث أحلام بدون مكاسب!
في الجانب الدولي، رٌفض الاتـفاق المعلن من قبل مجموعة من الدول لكن عبارات الرفض كانت منمقة أكثر مما يجب! بـيان الخارجية الأميركية اكتـفى بعبارة إن الاتفاق «يحيد عن جوهر المفاوضات» دون الاضطرار للمطالبة بإلغاء الاتـفاق أو بيان الحرص على استمرار مفاوضات الكويت! ولا يختلف موقف الاتحاد الأوروبي كثيرا عن موقف عمهم الأميركي المخادع! كما رفضته الأمم المتحدة بخجل وقالت انه لا يتـفق مع العملية السياسية ويعرض الأزمة اليمنية المعقدة للمزيد من التعقيد، لكن ظلت كل هذه البـيانات مجرد كلام إنـشائي بدون فعل!
وبذكر المجتمع الدولي والأزمة اليمنية نلاحظ أن سلوك هذا المجتمع وقراراته هي في النهاية مجرد كلام ليل يمحوه النهار! مجلس الأمن على سبـيل المثال أصدر في السابق ستة قرارات منها اثنان تحت الفصل السابع وثلاثة بـيانات رئاسية بلهجة قوية كلها ضد الحوثيين وحليفهم المخلوع لكن ذهبت أدراج الرياح وأدراج المكاتب! وليست الأمم المتحدة بأفضل حالا فالقرارات الأممية تدعو دوما إلى إلغاء اللجنة الثورية العليا التي شكلها الحوثيون عقب إعلانهم حل البرلمان وإسقاط الحكومة والانسحاب من العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى وتسليم الأسلحة الثـقيلة والمتوسطة وكذلك إلغاء المجلس السياسي المعلن الخ، لكن كل هذه المطالبات والقرارات الأممية يٌتـفق عليها في العلن مع ابتسامات وفلاشات وهي في الحقيقة مجرد بلاغة سياسية قاصرة! فما يصنعه الكلاشينكوف لن تلغيه الطاولات..وف!
ضبابية المواقف السياسية وصعوبة الأعمال العسكرية تجعل الأزمة اليمنية تـتوقف على قدميها المجروحتين أمام نموذجين أحلاهما مر: النموذج الليبي والنموذج السوري! المجلس السياسي سيتطور حتما إلى شكل من أشكال الحكومة التي تدعي الشرعية وسيعترف بها حلفائها مثل إيران وسوريا ودول أخرى فتصبح هناك حكومتان وبرلمانان وبـينهما تـنظيم الدولة فيكتمل النموذج الليـبي بانـتـظار حفـتر يمني يزيد من خلط الأوراق! وكالعادة سوف ينـقسم المجتمع الدولي أو يدعي الانقسام في المواقف من الحكومتين لغرض تحقيق الاستراتيجية البعيدة ومقتضاها تقسيم المقسم وتفكيك المفكك نحو المزيد من النـزف والاستـنـزاف!
النموذج السوري الخطير هو أيضا قابل للتحقق في اليمن الذي كان سعيدا! الصورة التـفصيلية لأحداث اليمن اليومية توضح وجود ميليشيات وجماعات وأحزاب من كل شكل ولون بعضها لديه أحلام انـفصالية وبعضها لديه علاقات دولية مشبوهة وبعضها لديه أجندات طائـفية عابرة للقارات وبعضها لديه عصبية محلية فيكون إحراق كل هذا الركام ممكنا بمجرد إطلاق شرارة لاذعة أو تـفجير أتوبـيس! وعندما يتراكم الحرمان السياسي مع الحرمان الاقتصادي والاجتماعي سيتحول قادة هذه الميليشيات والأحزاب إلى أمراء حرب وسيتحول اليمن إلى برميل بارود يهدد المنطقة برمتها –لا قدر الله-!
حل الأزمة اليمنية كما يعلن التحالف العربي دوما يجب أن يكون حلا مركبا يراعي كافة الجوانب العسكرية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والتـنموية، لكن من يستمع ومن يتحرك!
د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
16/08/2016
7529