+ A
A -
هناك أربع جهات تطالب بتجديد الخطاب الديني الإسلامي. تجمع الأولى بعض الأئمة المستنيرين الذين يأملون في معالجة الأفكار المغلوطة التي ترسبت في أذهان المسلمين ودفعت أعداداً منهم إلى التطرف والجمود.

ويمثل الجهة الثانية عدد من قادة الدول العربية والإسلامية الذين تكلموا برغم اعتمادهم على الحلول الأمنية عن ضرورة تجديد الخطاب الديني وتبني منهج دعوي جديد. أما الجهة الثالثة فتشمل مسؤولين غربيين باتت دولهم تعاني من مشكلات مع مواطنيها المسلمين وتشهد أعمال عنف تنفذها جماعات إسلامية متشددة على أراضيها. ويمثل الجهة الرابعة قطاع كبير من عامة المسلمين الذين يشعرون بالأزمة لكنهم لا يعرفون ما يجب عليهم أن يفعلوه.
هذه الجهات الأربع تسعى إلى تطوير الخطاب الإسلامي لكنها أمام مهمة ليست سهلة. فتليين رؤوس المحنطين فكرياً ليس مضموناً. كما أن هذه الجهات لن تستطيع النجاح إلا لو نسقت فيما بينها وهذا ليس باليسير. فالخطاب الديني الإسلامي في أوروبا مثلاً لا يمكن أن يتغير ويلين إلا إذا تغير بالمثل في بلاد المنشأ العربية والإسلامية التي ما زالت تحمل في مخيلتها التاريخية نحو أوروبا مخاوف وهواجس دينية وسياسية عديدة. فضلاً عن ذلك فإن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يقوم به دعاة يفتقر كثير منهم لأدوات التجديد بل وإلى القناعة به أصلاً فضلاً عن طاقة المجاهدة عليه مع مجتمع اعتاد على الجمود والاتباع.
لكن لأن الغرب يملك جدية أكثر وحرية أكثر وجرأة أكثر فقد بدأنا نسمع عن خطوات ربما تحمل أئمة المسلمين هناك على إبداء الشجاعة في تقديم خطاب ديني متحرر من أغلال التفسيرات المعيبة التي اكتوى بها المسلمون لسنين طوال. وبعض تلك الخطوات جدير بالنظر لأنه يختلف عن المبادرات الروتينية المظهرية التي تُعلن عنها بعض الدول العربية بزعم تجديد الخطاب الديني مع أنها لا تخرج في حقيقة الأمر عن محاولة تلجيمه.
ولتوضيح الفارق فإن مقارنة سريعة بين ما أعلنه وزير الداخلية الفرنسي «برنار كازنوف» وما أعلنه وزير الأوقاف المصري «محمد مختار جمعة» قبل فترة وجيزة يبدو لافتاً للانتباه. فرجل الأمن الفرنسي دعا إلى حل فكري لمشكلة التطرف بينما دافع رجل الدعوة المصري عن حل بدا في عيون كثيرين على أنه أمني. الوزير الفرنسي أعلن في لقاء مع ممثلين عن «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» عن أن الحكومة الفرنسية ستبدأ في تنفيذ برنامج للتدريب العام والعلماني للأئمة بهدف مكافحة التطرف والراديكالية. وصرح بأن هذا البرنامج سيكلف أئمة رفيعي المستوى بتدريب أئمة فرنسا خاصةً بعد أن جرى طرد 80 منهم وإغلاق 20 مسجداً كان يبث من خلالها أفكار مسمومة مليئة بالكراهية والشطط. ولا غرابة في دعوة الأئمة لتعلم العلمانية لأن الأئمة هم أولى الناس وهم يرتقون المنابر لتشكيل وعي المسلمين بالتعرف على العالم وبفهم معنى العلم وهما الجذران اللذان نبتت فيهما فكرة العلمانية. أما وزير الأوقاف المصري فأتى بحل تشتم فيه روح الوصاية الفكرية والأمنية. فقد أراد الأئمة أن يقدموا خطباً موحدة مكتوبة لهم مركزياً بحيث يقرؤونها سطراً بسطر وكلمةً بكلمة. ومع أن فكرته قوبلت على الفور بمعارضة شديدة بالذات من قبل الأزهر بما ساهم إلى حد بعيد في تحجيمها سريعاً، إلا أن مجرد طرحها ثم الترويج لها والتمسك بشدة في البداية بها عكس رغبةً لوأد روح التفكير أصلاً لدى الأئمة. وحسناً فعل الأزهر بعد أن كسب جولة ضد الأوقاف بإعلانه عن إنشاء «الأكاديمية المهنية للدعوة والإفتاء»، والتي سيخضع الأئمة فيها لدورة مكثفة لمدة ستة أشهر هدفها صقل المهارات اللازمة وتقديم المحتويات العلمية المناسبة للأئمة لكي يتمكنوا من مباشرة العمل الدعوي سواء كانوا منسوبين إلى وزارة الأوقاف أو من وعاظ الأزهر. ولعلها تكون بداية صحيحة هذه المرة يتعرف الأئمة من خلالها على قوانين العالم ومبادئ العلم معاً وأن يكتشفوا أن من يستوعب العالم ويحترم العلم ويسمى علمانيا يمكن أيضاً أن يكون متديناً راعياً لجوهر الدين وأصوله.
بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
15/08/2016
1567