+ A
A -
تستطيع ان توفر على نفسك، عناء التفكير، ومشقة مواجهة الذات بالاخطاء، ومتاعب البحث عن الحقيقة، وتسلم أذنيك وعقلك، لصراخ الفضائيات، وولولة «التوك شوز»، وتردد وراءهم.. مؤامرة.. مؤامرة.. مؤامرة.
لن يكون المواطن المصري بدعة ان فعل ما سبق – وهو يفعله بكل تأكيد-، فذلك ما تسوقه له الدولة بمسؤوليها واعلامها المقروء والمرئي، وخبرائها الاستراتيجيين، المصنوعين بانضباط، والمسموح لهم سياديا باغراق الفضائيات بتحليلات خزعبلية، ما أنزل الله بها من سلطان.
بين المؤامرة والانكار، انحصرت إلا قليلا، ردة الفعل الرسمية والاعلامية، على ملف مجلة «الإيكونوميست»، الذي حمل العنوان الصادم «تخريب مصر»، فبينما انحصرت تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، لا اعرف علاقة متحدث الخارجية بالموضوع، في اتهام المجلة الرصينة والعريقة بالتحامل والانحياز، والخروج عن منهجها الاقتصادي والتدخل في الشأن السياسي الداخلي للبلاد، ويؤكد ان هناك قائمة طويلة من الإنجازات وقصص النجاح في العديد من القطاعات الاقتصادية على مدى العامين الأخيرين لا يستطيع أن ينكرها أحد، دون أن يذكر ولو إنجاز واحد، يخرس به ما اعتبره انحيازا وتحاملا.
الاستراتيجيون والاعلاميون انقسموا بسذاجة وسطحية يرثى لهما، في تناولهم لتقرير «الإيكونوميست» بين الإنكار والتهوين.
فهذا خبير استراتيجي، يشغل موقعا رسميا في احد الاكاديميات المهمة، يدعي أن «الإخوان» وراء نشر التقرير، فذاك ليس الا كشفا عن تهافت من تعتمد عليهم الدولة في التحليل والرد، وهذا المستوى الضحل في التفكير، وذلك الاستسهال في تعليق الاخطاء والفشل والاحباطات على شماعة الاخوان الجاهزة منذ اكثر من ثلاث سنوات.
ولأن مثل هذه الشماعة لم تعد مجدية، وتعليق ملف المجلة البريطانية الرصينة والعريقة، هو من المضحكات المبكيات، فقد تفتقت اذهان بعض «الفضائيين»، عن مدخل للمناقشة، لا يقل عن سابقيه سطحية وسذاجة، اذ عمد البعض إلى الطعن في التقرير باعتباره خلطا بين الاقتصاد والسياسة، وهو ما اعتبروه ضربة في مقتل الصحيفة، ودليلا دامغا على الانحياز والتحامل، ما يصب نهاية الأمر في خانة المؤامرة المريحة.
في يقيني، ان اعتبار التداخل بين الاقتصاد والسياسة في التقرير، خلطا وتحاملا، يكشف عن جهل مطبق لمروجيه، في الاقتصاد والسياسة ايضا. إذ لا ينفصل الاقتصاد عن السياسة في أي من الاتجاهين: فلا اقتصاد يستقيم بغير معطيات سياسية تتسم بالرشد السياسي، ولا سياسة تستقر بغير معطيات يوفرها اقتصاد يتسم بالكفاءة الاقتصادية. وبغض النظر عما يكشفه ذلك ايضا من انهم لم يروا المجلة المذكورة، ولم يتعرفوا على ابوابها من قبل، فان اللافت ان بعض هؤلاء الاستراتيجيين والفضائيين، تخرجوا في كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية»!، دون أن يلفت نظرهم الاسم. لا أتصور أن ثمة من يسعده ما حمله ملف «الإيكونوميست»، لكن ذلك لا يعني ان يعامل بالشكل الذي تعاملت به الدولة معه، فثمة حقائق اعتمد عليها التقرير، ولا علاج للأزمة – أي أزمة– إلا بالاعتراف بها أولا.. فالإنكار لا يفيد.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
14/08/2016
1775