+ A
A -
هذه حكاية تستحق أن تروى.. هي ليست حكاية.. بل مشهد.?
حكاية أو مشهد نادر، فيها مفارقة من مفارقات هذا الزمان العجيب.?
سأرويها لكم على مهل.. في الواقع أصفها كما شاهدتها.
مفارقة جعلت (سوريات) و(كاميرونيات) يجتمعن في مكان واحد.. مكان بعيد تماماً عن سوريا والكاميرون.?
مكان لم يكن على بال هؤلاء النسوة.. لكنه الزمان في إحدى دوراته.?
مكان يبحثن فيه عن رزق يومي.?
المفارقة تترى إذا الزبناء، أو على وجه التدقيق من الإسبانيات.?
السوريات تعلمن نقش الحناء من مغربيات واجتهدن كثيرا في تزويق هذا النقش، اعتمادا على إتقان السوريين النقش سواء كان (سيراميك)، أو أكف بضة.?
أما الكاميرونيات فقد اخترن مهنة تصفيف الشعر على الطريقة الإفريقية، أي ضفره بطريقة تجعل الشعر عبارة عن ضفائر مجعدة مسدلة.?
ضفائر تنسجها أنامل مبدعة تجعل «الإسبانية» وكأنها قد اكتشفت «موضة عصر» عبرت من جنوب البحر المتوسط إلى شماله.?
تقبل الإسبانيات بحماس على هذه «الموضة» التي نزحت إلى حيث هن، يتمتعن بهذا الصيف القائظ.?
وتتفنن السوريات في نقش الحناء وهي مهنة جديدة عليهن، لكنها «الحاجة أم الاختراع».?
كل ذلك يحدث الآن في «سبتة»، المدينة التي تقع في الأراضي المغربية وتعتبرها إسبانيا جزءا من أراضيها، وهي حكاية من تاريخ ملتبس يبدأ من أيام الأندلس ولم ينته بعد.?
منذ قرون يطالب المغرب باسترجاع كل من «سبتة ومليلية».?
وكالات الأنباء التي تتعامل بحياد مع الموضوع اعتادت على عبارة تقول «سبتة ومليلية، الجيبان الإسبانيان فوق الأراضي المغربية».?
المغاربة يطالبون منذ استقلالهم عن فرنسا وإسبانيا في منتصف خمسينيات القرن الماضي بعودة «سبتة ومليلية»، ولكن ذلك يتم في هدوء ودون تصعيد وتفادي التوتر بين الجارين.?
في إحدى المرات تصاعد التوتر عندما ظهر «زعيم مغربي» في مليلية يدعى عمر دودوح.?
قاد دودوح مظاهرات وإضرابات واضطرابات ضد السلطات الإسبانية في مليلية، وتحول من نقابي إلى «زعيم شعبي».?
وكان أن جلس المغاربة والإسبانيون خلف أبواب موصدة، أي ما يعرف بدبلوماسية ما وراء الجدران، واتفقا على حل يبعد دودوح عن «مليلية» لكن لا يلغي زعامته.?
كان الحل أن يترشح عمر دودوح للبرلمان المغربي في دوائر «الجاليات المغربية في الخارج»، وبالفعل فاز دودوح بأحد تلك المقاعد، حيث انتقل من «مليلية» إلى شارع محمد الخامس بالرباط حيث يوجد البرلمان المغربي.?
هكذا لم تعد هناك مظاهرات واضطرابات في مليلية، وخفت نجم دودوح في أروقة مجلس النواب المغربي.?
عودة إلى السوريات والكاميرونيات.?
عبرت السوريات الحدود الجزائرية المغربية، إلى مناطق في شمال المغرب بسبب الأوضاع في سوريا.?
وفي كل مرة تجد مجموعة منهن فرصة يتسللن إلى «سبتة» الإسبانية فعلاً، المغربية تاريخاً.?
في هذه المدينة المتنازع عليها، يعتبرن طبقا للقوانين الإسبانية مهاجرات بطريقة غير قانونية، وهو ما يسمح بترحيلهن إلى بلدهن الأصلي.?
لكن هل يمكن ترحيل «سوريات» إلى دمشق أو حلب أو حمص أو حماة.?
الجواب واضح.?
ذلك من سابع المستحيلات.?
هكذا تغض القوانين الطرف عن هؤلاء «اللاجئات» اللائي تعلمن نقش الحناء من المغربيات وأضفن إليه الإبداعات الدمشقية والحلبية.?
السوريات إذن طبقا للقانون الدولي «لاجئات» بسبب الحرب والسياسة.?
والكاميرونيات «لاجئات» بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية في بلادهن.?
«لاجئات سياسيات» و«لاجئات اقتصاديات» في «سبتة» المتنازع عليها بين المغرب وإسبانيا، هي بالضبط مفارقة من مفارقات هذا الزمان.?

بقلم : طلحة جبريل
copy short url   نسخ
06/08/2016
2456