+ A
A -
من المعتاد أن تشهد الانتخابات الأميركية معارك ساخنة بين مرشحي الحزبين الكبيرين: الجمهوري والديمقراطي تصل إلى حد توجيه الضربات الموجعة والتربص وتشويه الصورة، ولكن من النادر جدا منذ انتهاء الحرب الباردة أن تتضمن الحملة الانتخابية لكل منهما تلميحا أو تصريحا بتدخل خارجي. إلا أن انتخابات 2016 شهدت حتى الآن خروجا غريبا ومفاجئا عن هذه القاعدة، وذلك بما تردد عن دور ما لروسيا في هذه الانتخابات.
ما حدث، وعلى غير العادة، توالت التصريحات عشية انعقاد المؤتمر العام للحزب الديمقراطي لتسمية مرشحه للانتخابات الرئاسية تحمل بالتلميح تارة والتصريح تارة أخرى ما يندرج تحت عنوان تدخل روسي في الانتخابات، وتحديدا لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب!. فقبيل انعقاد المؤتمر قام موقع ويكليكس بنشر بعض الوثائق التي تتحدث عن تصرفات قام بها مسؤولي الحزب لمنع تقدم بيرني ساندرز منافس هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية بما يعنى انحيازا واضحا لها على حساب خصمها. وعلى إثر ذلك قامت رئيسة الحزب ديبي شولتز بتقديم استقالتها.
روسيا من جانبها شددت على نفي أية صلة لها بالموضوع من الأصل، فقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن الرئيس بوتين قال عدة مرات إن روسيا لم تتدخل أبدا ولن تتدخل في الشؤون الداخلية للغير، خصوصا في العملية الانتخابية.. «إن روسيا حريصة على تجنب أي عمل أو أية كلمة يمكن أن تعتبر تدخلا مباشرا أو غير مباشر في الحملة الانتخابية».
في سنوات الحرب الباردة (1945-1989) كان من الممكن إتاحة المجال للحديث عن إمكان وجود تأثير أو تدخل مباشر أو غير مباشر في الانتخابات الأميركية، حيث كانت هناك قوى سياسية وحزبية أميركية منخرطة بشكل أو بآخر في هذه الحرب وتسعى للوصول إلى البيت الأبيض. ولكن شيئا من هذا يصعب تصوره في الوقت الراهن، ومن هنا جاءت علامات التعجب والاستغراب مما تردد داخل الآلة الانتخابية الأميركية عن دور روسي ما فيها سواء أخذنا بالروايات التي تقول إنه حقيقي أو مفتعل ومقحم في المشهد برمته. إلا أن ما صدر عن ترامب نفسه من تصريحات تبلور بقدر ما رؤيته للسياسة الخارجية، هو الذي عزز الربط بينه وبين ما صدر من تصريحات وتقارير تفيد بأن روسيا تتدخل في الانتخابات. فكثيرا ما انتقد ترامب سياسة أوباما في الشرق الأوسط واتهمها بأنها المسؤولة عما تعيشه المنطقة من فوضى وإرهاب. وكانت روسيا قد رحبت بهذا الموقف من جانب ترامب لأنه يتفق مع رؤيتها. وهناك من فريق ترامب من ينصحه بالتوصل إلى تفاهمات مع روسيا بخصوص الأمن في الشرق الأوسط والعالم لتجنب اندلاع حرب باردة جديدة، وذلك في حال فوزه في الانتخابات. ومن ناحية أخرى لم يتردد ترامب في التلميح إلى إمكانية اعتراف واشنطن بأن جزيرة القرم روسية وليست أوكرانية. وكل ذلك يريح روسيا كثيرا ولذلك لا غرابة في أن يكون مرشحها الأفضل في الانتخابات، بينما العكس تماما في حالة هيلاري التي تنتمي لإدارة ديمقراطية لها ما لها من صدام وخلاف مع روسيا في الكثير من القضايا.
وسواء صحت كل التقديرات السابقة أم لا وجاءت الانتخابات بهيلاري وليس ترامب، فإن لروسيا ربحها من هذه الهدية الانتخابية الأميركية. هو الاعتراف الأميركي بغض النظر عن القادم الجديد إلى البيت الأبيض بصعود الدور الروسي وقوة تأثيره في تقرير مصير النظام العالمي الراهن الذي يتسم بالسيولة، بما يعنى العودة لنظام القطبية الثنائية الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة. روسيا تستعيد بذلك دورها المفقود وتنهى هيمنة الولايات المتحدة أو نظام القطب الواحد الذي سعت إلى فرضه منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. هي إذن انتخابات فارقة في الشكل والمضمون، من شأنها إحداث التغيير ليس على الصعيد الأميركي فقط، بل والعالم وفي القلب منه الشرق الأوسط.

بقلم : عبدالعاطي محمد
copy short url   نسخ
06/08/2016
2471