+ A
A -
تتردد بشدة منذ أوائل التسعينيات، أفكار عن إعادة رسم الحدود بين دول الشرق الأوسط، يرافقها الترويج واسع النطاق لنظرية تقول إن عصر الدولة القومية قد انتهى. والذين ينشرون هذه الأفكار، يقرون بأن ذلك لن يتم بدون حدوث تقلبات داخلية، تشعلها نزاعات عنصرية، وطائفية، واشتباكات مسلحة.. وقولهم بأن الحدود الحالية منذ سايبس– بيكو، لم تعد تناسب العصر.
هذه الأفكار لقيت ذيوعاً رسمياً عام 2006، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء زيارتها لإسرائيل، وبحضور رئيس وزرائها يهود أولمرت، دعوة لقيام شرق أوسط جديد، وهو مشروع يطبق على مراحل تتضمن خلق حزام أزمات يطوق العالم العربي، ونشر الفوضى والعنف، عبر دول المنطقة.
ثم راحت جهات أميركية ليست بعيدة عن الدائرة الرسمية للدولة، تكشف عن مخطط لإعادة رسم الحدود، وفق خريطة لتخطيط أوضاع الشرق الأوسط بشكل مختلف، وحسب مفهوم الشرق الأوسط الجديد.
إحدى هذه الجهات كانت في مناسبة رسمية لحلف الأطلنطي عام 2006 عندما وزعت في برنامج تدريبي لكبار العسكريين بالحلف خريطة وصفت بأنها تعكس خطط الأجهزة العسكرية والمخابراتية الأميركية، لتفكيك الشرق الأوسط، إلى كيانات صغيرة.. ولكن دولاً من أعضاء الحلف انتقدت هذه الخريطة، ووصفتها بأنها تسعى لتفكيك الشرق الأوسط.
في نفس عام 2006، نشرت مجلة القوات المسلحة الأميركية، خريطة ضمن مقال للكولونيل المتقاعد رالف بيترز، بعنوان: «حدود الدم.. نحو شرق أوسط أفضل»، وشرح بيترز أن تنفيذ الخريطة يتطلب خلق توترات عرقية، وحروب أهلية، لتسهيل إعادة رسم الحدود.
ويلاحظ أن هذه الوسائل التنفيذية تجسدت فعلاً بعد ذلك، في إثارة النعرات الطائفية، والحروب الداخلية، في العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، وظهور دعاوى التفكيك، في مناطق تخضع لسيطرة أقلية تسكنها، وهو ما يهدم مبدأ الدولة الوطنية.
وليس بعيداً عن الذاكرة، ما كان جون بايدن، نائب الرئيس أوباما، قد دعا إليه وهو عضو في الكونجرس، عن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات– شيعية، وسنية، وكردية.. كما أنه ليس خافيا على أحد أن أفكار تنظيم داعش، وبقية التنظيمات المشابهة، تتبنى فكرة تقسيم دول المنطقة، وضرب مبدأ الدولة الوطنية.
إن فكرة الشرق الأوسط الجديد، بحدوده المعدله، عن طريق العنف، وإثارة الفوضى والصراعات الداخلية، سبق أن ظهرت عدة مرات في خرائط مختلفة. من بينها ما كتبه الخبير العسكرى الإسرائيلى زئيف تشيف قبيل حرب العراق، عن الإتجاه لتقسيمه إلى ثلاث دويلات. ولا ننسى خطاب الرئيس بوش أمام معهد اميركان انتر برايز قبيل غزو العراق، والذي قال فيه إن العراق سيكون نموذجا يحتذى في كل دول المنطقة.
وسبق أن ذكر سيتمون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، الصادر عام 1993، إن الإعتماد التقليدى عن الشرق الأوسط، وعن الدولة الوطنية، والحدود، والأرض، قد توقف عن أن يكون له شأن في عصر العولمة. وإن عصرا جديدا قد بزغ. ويجب على الدول أن تعيد تحديد هويتها. وأن تفتح الحدود، وأن تكون هناك مشاركة في مصادر المياه الطبيعية وكما شرح هذا التوجه، مارتن كرامز مدير مركز موشى ديان لدراسات الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب «الشرق الأوسط القديم والجديد»، إن السياسات بعد نهاية الحرب الباردة، لم تعد تنافسا بين ايديولوجيات، لكنها تنافس على المصالح. كما أن السياسات في الشرق الأوسط هي أيضا تنافس على الهويات.
وتعبير الهويات هنا يقصد به إشارة إلى المقصود من إشعال النزاعات الطائفية، وصولا إلى تقسيم الدول، إلى هويات متعددة ومتصارعة.
إن ما تشهده المنطقة العربية، من اقتحام عناصر أجنبية، لساحات هذه الدول ذات السيادة، وسيطرتها على بعض أجزائها، في شكل من أشكال الاحتلال الصريح، وبدعم من دول خارجية، هو عمل يخدم فكرة إشعال صراعات مسلحة، وفوضى، كأمر واقع، والدفع بالأوضاع داخل هذه الدول إلى حافة موقف يراد منه، أن يبدأ عنده التفاوض على إعادة رسم الحدود. وهو مطمع يرتبط بمخططات أكبر ممن وضعوا أنفسهم في خدمة هذه المخططات.
عاطف الغمرى
copy short url   نسخ
05/08/2016
2685