+ A
A -
تأخذ كياني كله المدن الصغيرة. ربما لأنني مغرم بالتفاصيل الصغيرة.
المدن الصغيرة تعطيك تفاصيلها الصغيرة بهدوء تام. بمنتهى البساطة والأريحية.تفصح لك عن مغنيها الأول، وشاعرها الأول، وحبها الاول. تحكي لك ذكرياتها بتلقائية، منذ ان كانت مجرد فكرة. تعبر لك عن أفكارها الآنية، عن اشواقها.. خططها ليوم بكرة.. أحلامها الكبيرة.
التفاصيل الصغيرة، يهيم بها المحبون الكبار.. وكبار العاشقين.
كم من إمرء- من ذكر أو انثى- أصبح من كبار عاشقي مدينة ما، لأنها ( باحت) دون ثمة تردد، بتلك التفاصل.
المدن التي لا تلعب معك لعبة ( الغُميضة)، وتكشف لك عن نفسها من أول وهلة، كثيرة. انت تعرف ذلك.. ولأجل ذلك دخلت معها في علاقة حب.
بين المدينة والمرأة، شبهة تشابه.. تماما مثل ما بين المرأة، وكل مافي الوجود.
الوجود أنثى.. تماما مثل الشمس، والحضارة والثقافة والمودة والمروءة.. تماما، مثل« بيروت رغم الجراحات» تماما مثل أسمرا!
أخذت بكياني كله تلك المدينة.
بسيطة، كأول يوم في هذه الدنيا.. شهية مثل رائحة أول رغيفة. بواحة، مثل الحب إذا بلغ المدى. جموحة، صعبة المراس مثل فرسة بكر تركض في البرية.
اسمرا، مثال للمدينة التي تكشف لك عن تفاصيل تفاصيل حياتها، من اول لقاء. لا تتلعثم.. ولا تخفي عنك شيئا تخاف منه. تقول لك كل ماتخاف منه!
صاحبي الروائي البديع حجي جابر، اختطفت كيانه كله اسمرا، من أول لقاء، وإلى الدرجة التي قال في اليوم التالي مباشرة: «ماكنتُ أظن ان لى وطنا بكل هذا الجمال»!
تلك جملة مترعة بالحب من اول نظرة.حجي، كان قد غادر اريتريا طفلا لا يفك الحرف،وحين جاء إليها في زهو الشباب، فجرت فيه اريتريا، كل أسرار الحروف، من الألف إلى آخر حرف في الأبجدية.
لو لم تكن اسمرا، مدينة تبوح بالتفاصيل الصغيرة، ما كتب حجى ماكتب من روايات عظيمة، بعد وقت قليل جدا، من (شوفته) اسمرا لأول مرة.. بعد وقت قليل من جملته الفاتنة، المليئة بالدهشة، وروح الغرام!
غرامي أسمرا..
أقول بذلك، والحنين سيسوقني إليها، هذا الصيف، وانا... ممتلئ تماما بتفاصيلها الصغيرة، التي أصبحت جزءا من تفاصيلي.
أيها الناس: انا مدينة صغيرة!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
04/08/2016
2385