+ A
A -
لم يكن في فريجنا في الريان سوى «بنتشري» واحد وكلمة بنتشري أو بنجري كلمة إنجليزي من «بنتشر» وتعني أن إطار السيارة قد ثُقب «بنجر» لسبب أو لآخر ولم يعد به هواء يجعلها تواصل السير، محورية «بنشري» الفريج في ذلك الوقت في أنه يعرف جميع سكان الفريج، خاصة مع امتلاك معظم سكان فريجنا سيارات تدريجيا، وتصليح «البنتشر» كان بدائياً يدوياً ويضع الإطار في ماء ليعرف الثقب ثم يأتي بـ«رقعة» ليضعها فوقه ويكبسها بقوة حتى يلتحم الثقب، أذكر أن دكان «البنشري» على ما أعتقد كان ملكاً للسيد علي بن عيسى الخليفي رحمه الله، وبه أخوان من الجنسية الإيرانية على قدر كبير من الشبه، في ذلك الوقت كانت العمالة الإيرانية منتشرة في جميع الأعمال قبل انتشار العمالة الهندية التي اتت لاحقا.
لم يكن الوضع ميسراً كما هو الحال اليوم، لا من ناحية توفر أماكن تغيير الإطارات ولا من حيث توفر عدد السيارات بحيث تركن إحداها وتأخذ الاخرى، لذلك كنت أرى تكدساً أمام محل البنشري وعليك بالانتظار وفي أثناء ذلك يكون البنشري وهو يصلح إطار سيارتك قد تحدث معك في أمور كثيرة وأخبرك من جاءه من أصدقائك ومن ذهب منهم، حتى أن بعضا يضع لديه بعضا من الحوائج ليسلمها لمن يريدون إرسالها إليه، «خليت حاجتك عند البنشري» أو «عند راعي الدكان» بهذه البساطة كان تعامل أهل الفريج مع العمالة، التي تصبح مع الوقت جزءا من سكان الفريج، الإيرانيون وأهل فارس أكثر العمالة قرباً لسكان المنطقة، لذلك كان انتشارهم كبيراً في الدكاكين وفي البيوت ومحلات بيع الخضار، بينما تسللت العمالة الهندية في بدايتها عن طريق المطاعم، ومازلت أذكر مطعم «محيي الدين» في مبنى ملك السيد خميس العبيدلي رحمه الله في فريجنا في الريان كذلك واكتشافنا «للكيمة والصبجي» ودكان «كنجي» للكرك، وبجانبه معصرة ملك السيد حمد بن مسفر بن شايق رحمه الله وبها عبدالله وهو هندي سريع الغضب يطلب الفلوس مقدما لشكه في مقدرتنا على الدفع، المؤلم أننا زبائن مزمنون ولا نزال ومستهلكون أساسا، فعندما أتى الريع لم يوضع بشكل هيكلي يخفف من استهلاكنا، لذلك كان حتى لهذه العمالة البدائية تأثير كبير وكانت أدوارهم محورية، حيث نراوح منهم وإليهم خاصة في عطلة الصيف الطويلة، حيث لم يكن السفر سوى استثناء يسيراً جداً، وكان هناك دكان كبير ملك السيد حسن بن حجي المالكي الجهني رحمه الله وصاحبه إيراني يدعى «شيرزاد» ويقابله آخر ملك السيد محمد بن مسفر الحساوي الهاجري رحمه الله وصاحبه يدعى حسن، لم يكن مفهوم انتهاء الصلاحية وارد في الأذهان، حيث كانت البضائع والمؤكلات تستمر سنوات معروضة دون تاريخ انتهاء، وكنا نعتمد «السلف» مع هؤلاء لثباتنا كزبائن يوميين وأكثرهم كان يرفض بشدة وأحيانا بعنف إلا لقلة قليلة جدا، أما الخياط الوحيد فكان في مبنى أعتقد أنه لأحمد بن يوسف الجابر رحمه الله أو لخميس العبيدلي، وبه خياط إيراني يسمى محمد شريف، هذه هي «مولات» فريجنا في الستينيات حتى منتصف السبعينيات تقريبا. ومع ذلك كان تأثير البيئة أقوى من تأثير المادة حيث كان الدكان والمطعم جزءا من ثقافة البيت، ولم ينتقل البيت ليكون جزءا من ثقافة «المول» كما نرى اليوم، رحم الله تلك الأيام الخوال وأعاد صفاءها إلى قلوبنا لنرى البساطة في كل شيء.
عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
02/08/2016
1126