+ A
A -
فجأة، اتخذت وزارة الأوقاف المصرية، قرارا بأن تكون خطبة الجمعة مكتوبة من قبل الوزارة، بمعنى أن تسلم الأوقاف، عبر مديرياتها وإداراتها التي تغطي عموم الجمهورية، خطبة الجمعة للأئمة والخطباء، ليقوم كل منهم بقراءتها من منبر مسجده على المصلين.
قرار وزارة الأوقاف المصرية، الذي أثار جدلا واسعا حوله، يستدعي عددا من الملاحظات، ولكن، يجدر قبلها أن نحرر المسألة من الحرام والحلال، فليس ثمة ما يمنع شرعا من قراءة الخطبة، لا ارتجالها على المنبر، وبالتالي فالأمر لا علاقة له بـ «يجوز أو لا يجوز».
قرار الخطبة المكتوبة والانقسام حوله، يبدأ بالسياسة وينتهي عندها، فمؤيدو النظام يوافقون عليها، وإن كانوا من غير المسلمين، ومعارضوه يرفضونها، وإن لم يكونوا من مرتادي المساجد أصلا– وهي الملاحظة الأولى.
عندما تحدثت ومجموعة من الأصدقاء عن هذا القرار، طغت المواقف السياسية على النقاش، عاكسة حالة الاستقطاب، وإن شئت قل الاحتقان السياسي الخانق الذي تعيشه البلاد.
أحد الأصدقاء المتطوعين دوما بلا سبب للدفاع عن أي قرار تصدره الحكومة، أراد إغلاق باب الحوار وتحقيق نصر مؤزر على معارضي القرار من أمثالي، فقال إن الخطبة المكتوبة معمول بها في دول الخليج ولم يعترض أحد. وهو ما يستلزم توضيحا مهما على بساطته، فثمة فارق كبير بين أن يكتب الإمام خطبته ويقرأها، وبين أن تعمم على كل الأئمة خطبة مكتوبة، لتنحصر وظيفتهم في كونهم مجرد أبواق لترديدها. والحقيقة أنني عدت إلى ما تنشره صحف خليجية من خطب الجمعة، لتوثيق ما ذهبت إليه، فوجدت على سبيل المثال، اختلافا كبيرا في الموضوع والصياغة بين خطبتي كل من إمامي المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلتاهما مكتوبة.
بررت وزارة الأوقاف القرار بأنه علاج لما تراه ترديا للقدرات العلمية والخطابية لعدد ليس قليلا لأئمة المساجد والخطباء، الذين يزيد عددهم على المائة ألف، وهو تبرير– وهي الملاحظة الثانية- أسقطته هيئة كبار العلماء بالأزهر، التي وإن أقرت بالتردي، إلا أنها رفضت أن تكون الخطبة المكتوبة، هي وسيلة التغلب على المشكلة وعلاجها، وقالت ما نصه «إن الأئمة يحتاجون إلى تدريبٍ جاد وتثقيف وتزويدهم بالكتب والمكتبات؛ حتى يستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذَّة بالعلم والفكر الصحيح، وحتى لا يتَّكئ الخطيب على الورقة المكتوبة وحدها؛ مما سيُؤدِّي بعد فترةٍ ليست كبيرة إلى تسطيح فكرِه وعدم قدرته على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتَّخذ الدِّين سِتارًا لها».
عموما، فقد أمعنت الأوقاف ووزيرها في التحدي، رغم رفض كبار العلماء للقرار، وردد الخطباء الخطبة المكتوبة على المنابر، أمس الأول، فلم يبق من المبررات، إلا السيطرة الأمنية، وهو ما تدعمه سوابق قرارات وزير الأوقاف، بدءا من إلغاء آلاف التصاريح بإلقاء خطبة الجمعة، للحاصلين عليها من غير موظفي الأوقاف، ومنهم علماء وأساتذة أجلاء بجامعة الأزهر، وليس انتهاءً بإلغاء إمامة من دعا على الظالمين في صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص في رمضان قبل الماضي.
copy short url   نسخ
31/07/2016
1717