+ A
A -

يصادف أحدنا أشخاصًا، مرتْ عليهم سنون طويلة دون تغير للأفضل، دون تطور، دون نجاح. دون أدنى تغيير سوى وجوههم المتعبة أو «كرشتهم» المترهلة. وكأنهم جمادٌ من الجمادات التي تشيخ بسبب عوامل التعرية والتجوية. الأصعب أن يكون أحدهم من الأقارب أو الأصدقاء، ممن نعرف الجوانب الأكبر في حياتهم، ولا نجد مبررًا يهوّن علينا موقعهم في نقطة الصفر. نتساءل عن السبب الذي يدفعهم للاستماتة والاستمرار على نفس الحال الكارثي الذي هم عليه؟! لكننا نفشل في الحصول على إجابة!
هناك نماذج كثيرة للاستسلام والانهزام الذي يمارسه هؤلاء، كالاستمرار في الفشل الدراسي دون اكتراث بالنتائج المترتبة عليه، أو التمسك بعلاقة زوجية متكررة الفشل، وصلت إلى باب مسدود، تلعن المودة والرحمة التي بها تُبني الحياة الزوجية، أو المواصلة في بيئة عمل تقتل الإبداع والابتكار، أو الرغبة في الوصول كما وصل الآخرون بأساليب خاطئة وملتوية، أو تقليد الآخرين والبقاء في قوالب غير مناسبة، يعرضون أنفسهم بسببها للاختناق أو الظهور بشكل كوميدي ساخر. أو التمسك بالدعة والراحة والكسل والخمول ثم الدعاء والصلاة أن تمطر السماء ذهبًا وفضة. المحزن أن يَبلوْا أنفسهم بمشكلة واحدة والمصيبة أن يجمعوا أكثر من أزمة ومحنة.
صحيح أننا نؤمن أن لكل إنسان نقاط ضعف، أو مشكلة أو أزمة يحتاج إلى وقتٍ؛ للخروج منها، أو فرصة لاستيعاب خطئه أو زلته، لكن كيف بمن مرّ عليه نصف شبابه وهو يمارس نفس التصرفات الخاطئة، السلوكيات المرفوضة، الأفكار الغبية والفاشلة والتي يقرّ هو شخصيًّا بسخافتها وتمردها.
نشاهد تعثرهم مرة تلو الأخرى، وكأنهم طفل يحاول الوقوف والمشي، ولكنهم ليسوا كذلك فهم كبار بما يكفي؛ ليتعلموا من أخطائهم. كما أن هناك الكثير من المحبين والأصحاب وجّهُوْهُم بما يكفي؛ ليصبحوا رائعين، لكنهم أبَوْا إلا أن يستمروا على نفس الحال.
المؤسف له أن كثيرًا من النماذج الآنفة الذكر، تظن أن الآخرين متفرغون لهم فقط، ومستعدون في أي وقت وأي لحظة الاستماع لهم ولهمومهم ومشاكلهم، والدليل أنهم رغم الكم الهائل من النصائح والتوجيهات التي قُدمت لهم، لا يسمعون ولا يتفكرون فيها، ولم يخطوا خطوة واحدة نحو التغيير والإصلاح.
والأمر لا يتعلق بحجم ونوعية النجاح الذي يتمنون من حولهم تحقيقه لأنفسهم، فلكل إنسان تصوره الخاص عن التقدم في الحياة والسعادة والرضا والقناعة، لكن على هؤلاء الواقفين في أماكنهم دون حراك بسبب ضعفهم وأخطائهم وزلاتهم وفشلهم إعادة النظر في أسباب مبيتهم عند تلك النقطة، بقراءة تصورات الآخرين حول القضية ذاتها، فلعل عنادهم وإصرارهم حول الفكرة نفسها هي السبب في توقفهم وعدم تقدمهم للأمام. والحقيقة الجميلة أننا كبشر آمنا بكثير من الأفكار التي أعتقدنا أنها يقينًا لا شك فيه، ثم أصبحت لاحقًا جهلًا مقيتًا، وسذاجة مفرطة. فتعلمنا كما غيرنا ألّا نلوم أنفسنا على تصوراتنا القديمة مازلنا نرغب في التغير نحو الأفضل.
العتب على من يظن أن البشر لا يتغيرون أو من المعيب أن يقروّا بأخطائهم أو سوء تقديرهم للأمور والمواقف. لكن من ينظر ويتأمل في حياة من حوله سيجد أنهم في بعض المواقف تحولوا إلى أشخاص آخرين بسلوكهم وتصرفاتهم أو ردة أفعالهم أو أفكارهم. وليس ذلك بمنبوذ ما دام ذلك للأحسن والأفضل دون التخلي عن المبادئ والمثل العليا التي ترتقي بالإنسان.
أيها المتعثر؛ لماذا عليك معاناة قسوة الألم حتى تتغير؟! لماذا البقاء في موقف المتابع والمشاهد لتقدم الآخرين بينما أنت تتمرغ في وحل الفشل والإخفاق والتعثر، ألم تتعبك نقطة الصفر تلك؟!
بقلم : زهرة بنت سعيد القايدي
copy short url   نسخ
30/07/2016
2900