+ A
A -
هناك إدراك من جانب الدولة بضرورة الارتقاء بدور المرأة وهناك أيضاً مقاومة من جانب معظم قوى المجتمع، ليس تحديداً على الدور ولكن على حجم هذا الدور.. من هذه الزاوية تتساوى جميع دول الخليج قاطبة دون استثناء.. دور المرأة في هذه المجتمعات وليد إرادة الدولة وليس إفرازاً لتطور قوى المجتمع المحافظة.. فتعليم المرأة جاء بإرادة الدولة ودخولها ميدان العمل كذلك.
وعلى مر التاريخ كانت إرادة الدولة هي السباقة في أحداث التغيير الذي لا يسع قوى المجتمع بعد ذلك إلا الاقتناع به ومسايرته.. ولكن لا تستطيع الدولة دائماً القيام بهذا الدور دونما وعي ومشاركة من قوى المجتمع نفسه فتعاظم دور المجتمع اليوم على الصعيد العالمي يحتم دوراً أكبر له في صياغة مستقبله فلم يعد بإمكان الدولة قيادته بالشكل الشمولي السابق، خاصة أن معايير عالمية جديدة تفرض نفسها على الساحة تنمي من قدرة المجتمع وتدعم توجهه في التخطيط لمصيره ومستقبله.
استطاعت الدولة في مجتمعاتنا الأخذ بيد المجتمع في مجالات عدة واختصرت بذلك المسافات الزمنية، لكن ثمة قضايا وأبعاداً لابد فيها من مراعاة ومعالجة الأرضية الاجتماعية.. من هذه القضايا والأبعاد دور المرأة وحجم هذا الدور في عملية التنمية وما هي حدود هذا الدور كذلك وهو أمر تختلف فيه الدول والمجتمعات على اختلاف تطورها ونموها وأهم ما يمكن الإشارة إليه هنا وقد أخذ منحنى التدرج في جميع دول العالم تقريباً هو المشاركة السياسية للمرأة وإمكانية وصولها إلى أعلى المراتب السياسية وليس بالضرورة أن أكثر الدول تقدماً في العلم والتكنولوجيا هي أيضاً أكثرها تقدماً في هذا الخصوص، فالعملية كما أشرت مرتبطة بالجانب الاجتماعي ومدى قناعته بذلك.
ففي الولايات المتحدة الأميركية لم تتمكن امرأة حتى الآن من الوصول إلى البيت الأبيض.. وحيث إن هذه القضية تلوح بقوة اليوم داخل مجتمعاتنا الخليجية ويبرزها البعض وكأنها مفتاح التطور والنقلة التاريخية المنتظرة لإنقاذنا من براثن تخلفنا وهزائمنا المتكررة مع الذات ومع الآخرين ويبقى الجانب الاجتماعي وقواه الضاغطة في الاتجاه المعاكس مقاوماً لكل هذه المساعي من جانب الدولة لأسباب عديدة منها:
أولاً: التركيبة النفسية والعقلية لهذه القوى فهي ببساطة مزيج من التراث والتقاليد وفهم معين لأوامر الدين.
ثانياً: إحساس هذه القوى الاجتماعية الضاغطة بالقهر وعدم الإنصاف، نظراً لطبيعة دور الدولة التسلطي وعدم توافر العدالة اللازمة، مما يزيده تمسكاً بمرجعياته الأولى من عصبية وقبلية ودينية.
ثالثاً: لم تكن المشاركة السياسية مطلباً نسائياً في جميع دول المنطقة وإن بدت في بعضها كالكويت ولكن قوى المجتمع الضاغطة والتقليدية كان لها الكلمة العليا حتى مع نجاح المرأة في الكويت للوصول لمجلس الأمة، إلا أن أداءها كان متأثراً لايزال بنظرة المجتمع المسبقة إليها، مما سبب إحباطاً لدى العديد منهن في تقييم تجربتهن السياسية.
ولكن في دول المنطقة الأخرى لم تثبت الإحصائيات ذلك وإنما كان هناك دافع من قبل الدولة مما أفقد القضية ذاتيتها. ثمة حاجة ملحة للتوافق بين فقه الزمن ومتطلبات التحديث يجب مراعاته في هذه البقعة من العالم بحيث تصبح عملية التغيير في توافق بين هذين الجانبين بشكل لا تجعل سرمدية الماضي طاغية على سُنة التغيير الكونية ولا تجعل كذلك من عنف التحديث المقصود وليس التلقائي يبدو وكأنه عدوان مادي أو معنوي يجب التصدي له أو على الأقل عدم المشاركة فيه على أقل تقدير.
رابعاً: من الأهمية أن تكون رغبة الدولة في ذلك اقتناعاً لكي تستطيع أن تقنع المجتمع وليس تكتيكاً مرحلياً، أو ظرفاً طارئاً تتطلبه المرحلة ولا بد أن تكون مظاهر ذلك واضحة وقابلة للقياس وعامة.
خامساً: نظرة المجتمع للمرأة ليست واحدة، فبينما يحترمها كأم، قد يمارس عنفاً ضدها كبنت أو أخت، وفي العموم لا يرتاح إليها كموظفة، لذلك المشكلة لها أبعاد متعددة حتى أصبح وجودها ليس مكملاً بقدر ما هو محفز للمجتمع ليفرز من خلاله تناقضاته وسلبياته.
سادساً: مع ما تشهده المنطقة من عنف وتطرف سينعكس ذلك مباشرة على دور المرأة سلباً، للقراءة الحرفية يعتمدها هذا العنف وذلك التطرف للحياة ولدور الإنسان فيها.
يبقى أن تعي الدولة أن الأمر يتطلب مشاركة بين الطرفين والسبيل الوحيد لذلك مساعدة المجتمع على إبراز قنواته، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لمعالجة الخلل إذا وجد.. فالإفصاح عن الخلل أولاً ومن ثم تشخيصه والعمل على علاجه وتصحيح اعوجاجه، فالفكر المنحرف أصلاً هو منحرف، لأنه لم يجد الفرصة والمسافة الكافية لكي يدرك مدى انحرافه وخروجه عن الخط القويم لذلك لجأ إلى ميكانيزمات الدفاع.
عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
27/07/2016
1429