+ A
A -
وصل إلى الدول الاوروبية عام 2015 مليون مهاجر، أي ان نسبتهم من مجمل عدد سكان الاتحاد هي 0.2 في المائة. ويمثل المهاجرون حاجة لاوروبا للحفاظ على توازنها الديموغرافي وعلى التوازن بين من هم في سوق العمل ومن خارجه. وعلى خلاف الفكرة الراسخة، هؤلاء ليسوا عبئا اذ لا يوجد علاقة سببية بين البطالة والهجرة كما ان مساهمتهم في البناء الاقتصادي يعتد بها.
ومع ذلك تستخدم كل الدول الاوروبية عبارة «أزمة» عند الحديث عن اللاجئين، وكأنها تعتبر ان اعداد هؤلاء فاقت المعقول وباتوا يهددون انظمتها الاقتصادية والاجتماعية، وتنظر اليهم على انهم مشكلة.. وهذا يجافي الحقيقة.
ووراء استخدام كلمة «أزمة» تكمن فكرة الطفح، وبالفعل تسعى السلطات إلى حلول تقلص اعداد المهاجرين، وبدلا من ان ينفق الاتحاد الأوروبي الاموال على استقبالهم واعداد المقومات اللازمة لحسن اندماجهم في المجتمع الجديد، يصرف المبالغ الطائلة على مراكز اعتقالهم وبطاقات ترحيلهم وأمن الحدود.
والاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الذي يقضي بترحيل كل من يبلغ اليونان إلى تركيا، لا يميز بين لاجئ سيئ ولاجئ جيد، بل يعيد على أعقابهم كل المهاجرين سواء كانوا طالبي لجوء أو طالبي العيش الكريم.
اوروبا تنحاز اكثر واكثر إلى فكرة «وطن بلا اجانب»، وجاء مسلسل الإرهاب المتنقل في ارجاء القارة القديمة ليزيد في الطين بلة وليقوي الميل إلى التعصب والانعزال ورفض الآخر الآتي من البعيد هربا من الموت أو بحثا عن لقمة العيش وحياة افضل. وصار خوف المواطن الاوروبي الابيض من اصحاب السحن السمر، يحرك اتجاهات الرأي العام نحو التقوقع واحكام الاقفال على الابواب والنوافد ضد كل آت من البعيد.
في مناخ كهذا، يصبح العقل مشلولاً، ولا يعود الاحتكام إلى الحوار علاجاً مجدياً. الغرائز تتحكم بالسلوك وبالقرار، وهي التي تدفع قادة يعرفون كيف يمكن استغلال هذه الغرائز إلى الصفوف الأولى.
وهكذا لا يعود غريبا ان يعين بوريس جونسون وزيراً للخارجية في بريطانيا، على خلفية «مآثره» في إثارة الخوف في نفوس الإنجليز من هجوم ابناء اوروبا الشرقية والهاربين من حروب الشرق الأوسط على وظائفهم ومدارس أولادهم وأسرّة مستشفياتهم، ولن يكون غريبا ايضا أن نرى زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبن تتأهل للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وتدخل ربما إلى قصر الإليزيه كأول رئيسة للجمهورية الفرنسية، أو ان نرى انغيلا ميركل تخسر الانتخابات بعدما كانت السباقة إلى الدعوة لاستضافة لاجئين في المانيا.
والاخطر من ذلك نزوع قطاعاتٍ من الرأي العام في هذه الدول، الحسّاسة جداً لمسألة الأمن الفردي والوطني، إلى وضع هذه الجرائم في سلة فئةٍ ما من السكان، الفقراء والمهمشين في الماضي، والمهاجرين واللاجئين والأجانب في الوقت الحاضر، وترسيخ اعتقاد عميق بأن العنف هو من الثوابت في ثقافة هؤلاء، وتاليا، تغذية نزعة تمييز عنصري متنامٍ ضدّهم، يُفاقم من عزلهم عن المجتمع وتهميشهم، ومن ثم يدفع المضطربين منهم إلى تبني خطابٍ التطرف ومشاعر الحقد والانتقام ضد الغالبية من السكان.
وبين جنوح جزء مؤثر من الغالبية إلى التعصب والعنصرية وبين تنامي روح الانتقام البشع في اوساط قلة مهمشة ومضطربة، فان الحلقة الأضعف في هذه الدائرة اللاجئون والمهاجرون والأجانب.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
27/07/2016
1848