+ A
A -
ليست المشكلة في النص ولا في تعدد تفسيراته ولكن في استعلاء تفسير معين لدى البعض على غيره من التفاسير، بحيث يصبح مقياساً للصواب والخطأ دون مراعاة لكون تلك التفاسير منتوجاً بشرياً يحتضن بين جوانبه نواقص البشر واختلافاتهم. الذي أعرفه أن الإسلام دين بلا كهنوت «مقارنة لما للكنيسة من سيطرة على الحياة المدنية العامة في أوروبا في القرون السابقة، فالتأخر القابع فيه عالمنا الإسلامي مصدره عدم فهم الدين الفهم الحقيقي المرادف لصيرورة الحياة وتغير الأحوال، فتقدم الماضي على الحاضر والمستقبل في الذهنية الإسلامية كارثة ما بعدها كارثة. نحن نعيش نصف أسبوعنا في محاكاة الماضي ابتداء من خطبة الجمعة إلى برامج الوعظ الديني ونصفه الآخر في النوم وكل ما يحصل عليه الحاضر فتات اقتصادي نجمعه من هنا وهناك في حين لا حصة للمستقبل في ذواتنا حتى البرامج المستقبلية المطروحة لن تؤتي ثمارها المرجوة والوضع على ما هو عليه تداخل كثيف تكاد أدخنته تعمي الأبصار بين الماضي بنرجسيته وبين الحاضر بهمومه وأدواته الجديدة. فقياساً على الماضي يجري تكفير الأفراد وقياساً على الماضي يدفع بالشباب إلى آتون الانتحار وقياساً على الماضي تبقى وصاية البعض على الكل، وقياساً على الماضي يجري تبرير الأوضاع على ما هي عليه برغم مأساويتها، والآن لنرى كيف تتعدد التفسيرات فهناك من علماء المسلمين من يرى أن المسيحيين وغيرهم كفار، وهناك من يرى أنهم «مسلمون» «بمعنى معين» وهناك من يرى أن الصلح مع اليهود جائز، وهناك من يرى بحرمته، وهنا من يرى بضرورة الخروج على الحكم الظالم وهناك من يرى غير ذلك، وينسحب ذلك على كثير من أمور الحياة منها الطبية والاجتماعية والاقتصادية، وليس في ذلك ضير طالما كانت هي في الأساس مجرد فتوى أو رأى يأخذ به من يأخذ ويتركه من يتركه ولكن تحوله إلى تقليد واتباع لا يمكن احتماله إلا ضمن نطاق الدولة الدستورية التي تنبذ العنف لأن الإشكالية في اعتماد احداها فقط ومحاولة فرضه على الآخر المختلف، والذي يرى غير ذلك، بالقوة.
أي استعلاء تفسير معين على آخر وعدم قبول غيره بل ونفيه بل وضرورة إزالته خاصة إذا لم يكن هناك دليل علمي واضح على ذلك، حتى في الأمور المعاشة اليوم هناك اضطراب واضح تجعل من المسلم في حيرة من أمره فاصطلاح العقوبة والجزاء أصبح مرادفاً لحياة المسلم المأساوية أصلاً، داخل وطنه وخارجه كذلك، فكارثة تسونامي مثلاُ عقوبة لمن احتفل بعيد الميلاد ولأماكن البغاء والرذيلة أيضاً برغم أن ضحاياها معظمهم من المسلمين أو من بلاد الإسلام، وإذا نجا مسلم من تحطم طائرة فلأنه مسلم وإذا ضرب أميركا إعصار فلأنها كافرة فأصبحت حياة المسلم كلها تدور من عقوبة إلى انتظار أخرى، ابتداءً من زلزال إيران إلى فيضانات بنغلاديش ففقهاء «الاستيكة» لديهم المقدرة على تأويل كل حدث بما يخدم مصالحهم وخدمة من يوظفهم. وكارثة الخليج الثانية خير دليل على ذلك حين انقسم فقهاء «الاستيكة» بشكل واضح وجرى استخدام تعدد النصوص وتفاسيرها ومحاولة فرضها على الجهة المعارضة الأخرى.
لا يمكن الخروج من مأزق الاستخدام السياسي للنصوص الدينية حيث إن العملية اكتسبت بعداً تاريخياً وتجربة تاريخية طويلة فهي بذلك خزانة متحركة من جيل إلى جيل يمكن اللجوء إلى محتوياتها لأخذ ما ينبغي أخذه حسب الظروف وترك الآخر حسب الطلب.
أن الخروج من المأزق يتطلب استثمار المنطقة الوسطى بين أصحاب الرأي والتفسير الانتقائي الأوحد وبين فقهاء الاستيكة وهي المنطقة الإنسانية التي تحوي قبول مبدأ الاختلاف والتعايش والتحاور وفي نفس الوقت احترام الأديان وأنسنة محتوياتها بغير ذلك حتى الطغيان والاستبداد يمكن تبريره دينياً.
فالمجتمعات إنسانية بالدرجة الأولى قبل أن تكون مجتمعات متدينة أو تأخذ بالتدين، فلذلك لابد للخروج من هذه الدوامة من تأميم فهم إنساني للدين ضمن مشروع ديمقراطي يضمن المواطنة ويكفل الحقوق وحرية الرأي فرجاء لا تخافوا على المجتمعات ولا على الدين فلن تختار الناس إلا ما ينفعها وتستكين إليه فالأوضاع السياسية المزرية للأمة هي ما دفعت برواج سلعة فقهاء «الاستيكة» الذين يملكون تمديدها حيناً وتضيقها أحياناً أخرى حسب الطلب وحسب ما يتطلب بقاؤهم سدنةً لأمور الأمة وبين تصلب وتشنج الآخرين الذين يرون أنهم فقط أصحاب الفرقة الناجية.
عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
26/07/2016
1348