+ A
A -
مع اقتراب مهرجان سوق عكاظ الثقافي، والذي ستبدأ فعاليات دورته العاشرة خلال الفترة من 6 إلى 16 ذي القعدة المقبل في محافظة الطائف بمشاركة متوقعة، وكما هي العادة، لأدباء ومثقفين وشعراء وأكاديميين من داخل المملكة وخارجها، مع هذا الاقتراب، وفي كل مرة يذكر فيها هذا السوق التاريخي، نجد أنفسنا نتذكر أهم وأشهر ملامح هذا السوق في نشأته التاريخية الأولى، أقصد بذلك خيمة النابغة الذبياني ذلك الذي صنفوه على أنه «أشعر الناس إذا رهب»، تلك الخيمة النقدية، لو صح لنا الافتراض، والتي كانت تضربها له قريش، ويحكم فيها بين الشعراء ويجيز قصائدهم. لكن ما يستغرب له في حقيقة الأمر، أن هذا الناقد المعترف به، والمنصوب له قبة من أدم، يتقاطر لها الشعراء، ويحرصون على أن يقول في حقهم ما يدل على شاعريتهم، ويسجل في مسيرتهم، هذا الشاعر بهذه الصفات وهذه المكانة النقدية البارزة والمهمة، تم انتقاد شعره أيضا من الآخرين، إذ وجدوا أن شعره أيضا لا يعدم العيوب الشعرية، والتي أحيانا لا تصح حتى للمبتدئين، وبالأخص مشاكله الشعرية مع عيوب القافية كالإسناد والإكفاء والإقواء، ويستدل على مشكلة الإقواء- اختلاف الإعراب في القوافي، بحيث يكون بعضها مرفوعا والآخر مخفوضا- قوله:
قالتْ بَنُو عامِرٍ خَالُوا بَني أَسَدٍ
يا بُؤْس للجَهْلِ ضَرَّاراً لِأَقْوَامِ
تَبْدُو كَوَاكِبُهُ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ
لاَ النُّورُ نُورٌ ولا الإظْلَامُ إِظْلَامُ
ولعل ابتكار النابغة لهذا الشكل الأولي للنقد، ولأهميته في إصلاح وتقوية واستقامة الموهبة الشعرية، جاء بعد الفترة التي أمضاها في يثرب واحتكاكه بالشعراء هناك واستفادته منهم إذا يقول عن نفسه: «دخلت يثرب وفي شعري عاهة، وخرجت منها وأنا أشعر الناس».. وبالإضافة لاستفادته من الشعراء هناك في يثرب، استفاد كذلك من الحالة الفنية المزدهرة متمثلة في الغناء، إذ أن غناء شعره نبهه لعيوب القافية في شعره..
جاء في كتاب الأغاني القصة التالية لمشهد حدث في خيمة النابغة يصور حالة المناقدة الشعرية بين أسماء شعرية كبيرة في ذلك الوقت:
حكي عن نابغة بني ذبيان أنه كانت تضرب له قبة من أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء، فدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى وقد أنشده شعره، وأنشدته الخنساء قولها:
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عوَّارُ
أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ
حتى انتهت إلى قولها:
وإنّ صَخراً لَتَأتَمّ الهُداة ُ
بِهِ كَأنّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ
وإنّ صَخراً لَوالِينا وسيّدُنا
وإنّ صَخْراً إذا نَشْتو لَنَحّارُ
قال: لولا أن أبا بصير أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس، أنت والله أشعر من كل أنثى، قالت: والله ومن كل رجل..
فقال حسان أنا والله أشعر منك ومنها، قال: حيث تقول ماذا؟
قال حيث أقول:
لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى
وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجـدَةٍ دَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَاِبني مُحَـــرَّقٍ
فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِنا ابنَما
فقال: إنك شاعر لولا أنك قلت: الجفنات، فقللت العدد، ولو قلت: الجفان لكان أكثر. وقلت: يلمعن في الضحى، ولو قلت: يبرقن في الدجا لكان أبلغ في المديح، لأن الضيف في الليل أكثر طروقا، وقلت: يقطرن من نجدة دما، فدللت على قلة القتل، ولو قلت: يجرين، لكان أكثر، لانصباب الدم.. وفخرت بما ولدت ولم تفخر بمن ولدك.. فقام حسان منقطعا منكسرا!

بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
24/07/2016
4800