+ A
A -
«أيه ده؟ دي جنة، ولا في أميركا أو أوروبا تخش المستوصف وتخرج بكيس من أحس الأدوية واجودها ببلاش تقريبا»
القطريون شعب طيب وغني ولكن ما بيعرفوا إلا يؤجروا بيوت.
«قطر اغنى دولة في العالم، نصيب الفرد من الدخل القومي الأعلى عالميا .
نسبة كبيرة من أثرياء العالم من القطريين».
هذه العبارات بعضها سمعتها شخصيا، والآخر نشرته الصحف القطرية والعربية والعالمية. والأخير شعار دولة قطر في توجهها، ودورها العالمي الجديد. نجد كثيرا من الاخوة العرب في المقاهي والمولات يبحثون عن وظائف في قطر قادمين بعد أن سمعوا عن توفر فرص العمل في قطر وقلة سكانها وحاجتهم إلى يد عاملة، وأنا شخصيا قابلت أحد الاخوة الجزائريين في محطة بترول يسألني المساعدة لتحصيل ثمن تذكرة للعودة بها إلى بلاده بعد أن خاب ظنه في الحصول على فرصة عمل كما كان يسمع عن توفرها بسهولة في بلاده.
في ظل ما يحتوي عالمنا العربي من حزام ناري مشتعل، تبدو قطر «جنة» ويبدو الوصول إليها أملا، ولكن تبقى الصورة في الأذهان سائدة عنها وعن شعبها لا تتغير، بلد صغير جدا وغني جدا وشعب قليل«طيب»، فعندما يصل بك النقاش إلى حد الاحتدام مع أحدهم، أو يغضب أحدهم تخرج هذه الصورة من اللاوعي إلى الوعي واللسان سواء كتابيا أو شفاهة على القنوات الفضائية.
القطريون يعيشون على حزمة اخلاقية متوارثة، وهم اكثر مجتمعات الخليج محافظة إلى عهد قريب، لذلك وصف أحد المشايخ قطر بقوله اننا حين نتكلم عن قطر أو ننوي الذهاب إليها نقول «ح نروح الجنة». بالمعنى المعنوي إلا أن الإغراء المادي جعل منها اليوم «جنة» بالمعنى المادي لهم كذلك.
كل خوفي اليوم على استنزاف هذه الحزمة الأخلاقية المتوارثة بسبب التغيير السكاني السريع الخطا وما يرافقه من ارتفاع سريع في مستويات المعيشة نظرا لربطه وارتباطه بمستوى الاستيطان الجديد وإقامة المدن الجديدة وارتفاع سعر تكلفة الأرض والبناء نظرا لذلك، ويصبح القطريون متغيرا تابعا لآخر مستقل، حافظ القطريون تاريخيا على الحزمة الاخلاقية المتوارثة لوسطيتهم كمجتمع ولصعوبة التمييز بينهم والوعي بخطورة ظهور الطبقية بشكل يؤثر على هذه الحزمة الاخلاقية ومن ثم على التضامن الاجتماعي، الفئات الوسطى اليوم تعاني وبعضها شارف على الانهيار، فقد تراجعت قدراتها الشرائية أمام الزيادات المتواصلة في الاسعار للمواد الاساسية، كما أرهقها النظام المروري الذي تحول إلى نظام جباية اكثر منه نظام ضبط وتنظيم وأصبح السائق عليه أن ينتقل من مستوى سرعة إلى آخر كل خمس دقائق مع بنية مرورية لا تتماشى والنمو السكاني المتزايد مهما حاولوا التوسع فيها، كل ما اخشاه هو احتياطي الأزمات وقدرته على التعامل مع توسع أفقي وعامودي يبدو عشوائيا للمواطن الذي لا يملك معلومات سوى ما يرصد يوميا من الصحف، ولا توفر له الجهات المختصة هذه المعلومات الحيوية ليدرك وضعه وأين يقف.
«الجنة» بالنسبة للمواطن، ليست هي الجنة بالنسبة للقادم الجديد، جنة المواطن اليوم، هناك من يهُم بدخولها غيره، بينما هو يهُم بالخروج منها ولكن ليس لأنه عصى ربه كما جرى لأبينا آدم، وإنما لأنه عجز أن يكون متغيرا مستقلا في زمن المعادلات والتوازنات داخل الأوطان.
بقلم : عبدالعزيز محمد الخاطر
copy short url   نسخ
24/07/2016
1456