+ A
A -
كان السؤال البسيط الذي خرج من فم «فهد»، هو عنوان الرحلة الأوروبية التي قامت أسرتي بإعدادها لنا، إذ جاء سؤال ابن أختي كطلقة بارود خطفت كل الأضواء، كان السؤال مهماً حتى أنه أثارني لباقي أيام الرحلة، بينما كنا نسابق أعوامنا في شارع الشانزليزيه، نبحث عن أيامنا التي مضت وعن أوقاتنا التي لم تبهت يوماً بين الحل والترحال، سأل والدته عن أهمية السفر، أهمية أن يكون خارج وطنه، ترى ما الفائدة من السفر يا أمي؟ هذا ما قاله «فهد» ذو الثانية عشرة من العمر، فردت عليه والدته وهي تدقق بكلماتها كعادتها التي عرفتها عليها منذ أن فتحت عيني على الحياة، ووجدتها بجانبي، فقد كانت تتحفظ على كل ما تقوله، بل كانت تدرس مفرداتها جيداً، إذ لم تكن تحب الانزلاق نحو الخطأ، كان جوابها لذيذاً وعابقاً بالسحر تجاه ابنها البكر «فهد»، «نسافر حتى ندرك قيمة أوطاننا، حتى إذا رجعنا إلى ديارنا وأرضنا، قلنا الحمد لله على ما أنعمنا الله به»، كان هذا هو خلاصة التجربة التي أرادت شقيقتي أن تقولها باختصار تجاه ابنها.
لقد صدق «فهد» الصغير، حينما تساءل عن أهمية السفر، وهو الذي لا يريد غير أن يكون في مكان تتوفر به شبكة قوية من الإنترنت، حتى يلعب بجهاز السوني مع رفقائه في المدرسة، أو مع الأصدقاء الذين يتشاركون معه متعة اللعب، من دون أن يلتقيهم ولو لمرة واحدة، فقد كان الإنترنت هو مكانهم الآمن، ومتعتهم الفريدة، يتبادلون الأحاديث والحكايات وأسرار اللعبة، من دون أن يعرفوا ملامح بعضهم البعض، إذاً ما الفائدة من السفر؟ ما الفائدة أن نترك البيت والشارع والحديقة وسيارتنا، وبقية ملابسنا في الدولاب، ونقطع تذاكر ونصطف في الطوابير بانتظام خوفاً من ملاسنة البعض لنا؟ ما الفائدة من أن نخشى على أنفسنا من نظرات الآخرين، بسبب ديانتنا التي نحملها ويجدها البعض وقد باتت كقنبلة للهجوم عليه، أما البعض الآخر فقد بات يخشى على نفسه بسبب الحجاب؟ فيما بقي أهل البلاد المسلمين غير عابئين بأي نظرات باردة تجاه ما يرتدونه من لباس إسلامي شرعي، بل أنهم يهبونك الحياة والأمل وعدم الخوف والخشية وهم يرتادون كل الأماكن بكل ثقة وفخر، غير مهتمين بالشكل المطلق من أي عبارة يمكن أن تقال لهم، أو نظرة تنددهم بالعيب.
صمت الصغير «فهد» بعد إجابة والدته لهُ، كانت تريد شقيقتي أن تقول له، مهما قررت أن تترك وطنك لأن هناك من هو أجمل من شوارعها، أو طقسها، أو حتى ألعابها السحرية، فأن الوطن يبقى دائماً هو المكان الوحيد الذي تقول فيه «الحمد لله» أنني أعود لك وإليك.
بقلم : سارة مطر
copy short url   نسخ
24/07/2016
2830