+ A
A -
بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس مؤخرا بحضور نحو مائة ألف من المعارضين الإيرانيين ووفود رسمية وشعبية من شتى الدول المتضررة من سياسات نظام طهران، تجمع بالقرب من مقبرة «بير لاشيز» في باريس الآلاف من أكراد إيران الحالمين بالانعتاق وكانت المناسبة هي الذكرى السنوية لرحيل الدكتور عبدالرحمن قاسملو الذي اغتالته المخابرات الإيرانية في فيينا في 1989، وذلك بعد أن تم استدراج قاسملو إلى هناك لعقد مفاوضات مع طهران.
الكثيرون يعتقدون أن رأس الحربة في اسقاط نظام ايران هي المعارضة الإيرانية التي تقودها مريم رجوي، فيما يراهن آخرون على عرب الاحواز الناقمين على نظام طهران بسبب التمييز ضدهم وطمس هويتهم العربية بصورة ممنهجة، ناهيك عن استغلال ثرواتهم البترولية في الحماقات الخارجية. لكني أعتقد أن الرهان يجب ان يكون على أكراد إيران لأسباب كثيرة.
فإضافة إلى عوامل التمييز والقمع التي يعانون منها كغيرهم من العرب والبلوش والآذاريين والتركمان، يمتلك أكراد إيران وحدهم شبكة كبيرة من التواصل الذي لم ينقطع قط مع إخوتهم في القومية المنتشرين في العراق وسوريا وتركيا. ومع ظهور شبه دولة كردية في شمال العراق، ومع امتلاك كردستان العراق لجيش مزود بأحدث الأسلحة الغربية ومقاتلين من ذوي الخبرة، فإنه بالإمكان تسخير كل هذا لصالح أكراد إيران المستضعفين، خصوصا وأن كردستان إيران تملك حدودا مباشرة مع كردستان العراق. وبعض هذه العوامل لا يتوفر، طبعا، للقوميات الإيرانية الأخرى.
أضف إلى ما سبق أن أكراد العراق لديهم سابقة في إقامة دولتهم المستقلة التي يتوقون إلى إحيائها. ونعني بذلك «جمهورية مهاباد» التي تأسست في 1946، وكانت لها قوات خاصة من البيشمركة مدعومة من الاتحاد السوفياتي السابق الذي توغلت قواته حينذاك في الاراضي الإيرانية تحت ذريعة موالاة الشاه للنازية في الحرب العالمية الثانية. والقاريء للتاريخ الحديث سيكتشف إن هذه الجمهورية، التي دامت 11 شهرا، ما كانت لتنهار ويعدم رئيسها «قاضي محمد «مع أقربائه، لولا تدخلات وضغوطات واشنطون، وتحالف بعض الأكراد المتنفذين مع النظام الشاهنشاهي بغية تحقيق مصالح ضيقة من جهة اخرى.
وقد تكرر شيء من هذا القبيل قبيل قيام الثورة الإسلامية الخمينية حينما وضع اليسار الكردستاني ممثلا بحركة «كوملا» يده مع بقية الأحزاب اليسارية في إيران للإنقلاب على الشاه والإتيان بنظام الخميني تعويلا على أن الأخير سوف يحقق لهم تطلعاتهم في الحكم الذاتي مثلما أوهم كل القوميات الإيرانية غير الفارسية في حينه. وكانت النتيجة هي المزيد من القمع والقتل والحرمان من أدنى الحقوق السياسية والثقافية، بل ومنع الرموز الكردية من المشاركة في صياغة دستور البلاد الجديد. وفوق ذلك استخدمت إيران الخمينية أكرادها كوقود في حربها الطويلة مع العراق، فخسر الأكراد الآلاف المؤلفة من أبنائهم في تلك الحرب المجنونة دون أن ينالوا في المقابل شيئا يـُذكر، بل استخدمت طهران يدها الآثمة في اغتيال قاسلمو الذي كان يمثل لأكراد إيران رمزا كبيرا من رموزهم المثقفة والمحترمة مع إثنين من رفاقه, وقد قيل أن نظام الخميني كان يشعر دائما بخطورة قاسملو لأن فكرة إحياء «جمهورية مهاباد» كانت مستقرة في ضميره دوما، خصوصا وأنه قام بمحاولة من أجل ذلك في 1978 حينما قاد نحو عشرين ألفا من قوات البيشمركة، تمكن بها من السيطرة على ثماني مدن وعشرين بلدة كردية.
وهكذا نرى أن اكراد إيران لديهم ثارات أكبر مع النظام الإيراني الحالي.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
22/07/2016
1724