+ A
A -
هل لنا أن نشهد بعد، أفظع وأوحش من المقتلة التي وقعت في مدينة نيس الفرنسية الخميس الماضي؟ لست متأكدا من قدرتي على الإجابة بالنفي على هكذا تساؤل، في ضوء مسلسل القتل الجماعي الهستيري والزاحف نحو العدم! من كان يعتقد، أو حتى يتخيل أن مجموعة من الإرهابيين تقدم على اقتحام مسرح باريسي.
وتفتح النار عشوائيا لتقتل نحو 130 من الحاضرين، الذين كان «ذنبهم» أنهم جاؤوا في تلك الأمسية ليحضروا عرضا مسرحياً ثم يعودوا إلى منازلهم ويخلدوا إلى الراحة؟
وقد سبق هذا العمل الإجرامي الاعتداء الجبان الذي استهدف مجلة «شارلي إبدو» وذهب ضحيته اثنا عشر صحفياً ورساماً. ولحقه عدد من الاعتداءات، هنا وهناك...
وها هو إرهابي آخر «يستنبط» أسلوبا جديدا في القتل الجماعي عن سابق تصور وتصميم، وهو أب لطفلة لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، يتقدم بدم بارد على متن شاحنة، وباندفاعة مريبة، ليدهس ويقتل ويعبر على أجساد عشرات النساء والرجال والأطفال، تجمهروا على شاطئ مدينة فرنسية أخرى، سياحية مسالمة حالمة، للاحتفال بذكرى انتصار أهم ثورة في التاريخ ضد الاستعباد ومن أجل الحرية والإخوة والمساواة. فمن تفجير الطائرات إلى تفخيخ السيارات، ومن البراميل المتفجرة إلى الأحزمة الناسفة، إلى الانتحاريين الذين يفتحون النار عشوائيا في كل الاتجاهات لقتل أكبر عدد ممكن من الناس. وجاء الآن دور الشاحنات التي يقودها انتحاري موعود بملاقاة الحوريات في الجنة، فيقرر أن ينهي حياة الآخرين في الوقت نفسه الذي ينهي فيه حياته!
«داعشيون»، أم مستأجرون للقتل، أم جهلة فاقدون لأي إحساس بشري؟ كشف والد الانتحاري التونسي الأصل أن ابنه «لم يكن أصوليا متطرفاً»، وأنه قام قبل فترة قصيرة بإرسال مبلغ مائة ألف يورو(!) إلى أهله في قرية مساكين التونسية. فيما أكد جيرانه الفرنسيون أنه كان يعيش حياة لامبالاة ويشرب باستمرار.
ولماذا استهداف فرنسا والفرنسيين بالتحديد؟ قرار سياسي، يتعلق بسياسة فرنسا وموقفها من الأزمة السورية ومن الصراع على النفوذ في المنطقة؟ وقفت باريس بشدة تطالب برحيل بشار الأسد، وإن خفت النبرة في الفترة الأخيرة؛ ولكن موقفها بقي كما هو. سبق هجوم باريس الإرهابي بأسابيع اتهام الأسد فرنسا بأنها تغطي الإرهاب (في سوريا) وأنها ستدفع الثمن. بعدها تعاطت الحكومة الفرنسية بشكل إيجابي مع التدخل العسكري الروسي الذي كان قد سبق الهجوم الانتحاري على المسرح الباريسي بشهر ونصف الشهر. ومؤخرا جرت محاولة لخلط الأرواق بهدف إعادة تعويم النظام السوري عبر انفتاح بعض دول الاتحاد الأوروبي عليه، وإن بشكل خجول، وسط معارضة فرنسية. وتكلم الأسد مجددا عن «مسؤولية بعض أوروبا في تغطية الإرهاب»..
تحركت باريس محاولة الإمساك ما أمكن ببعض الخيوط، وهي التي تعتقد، أو تشعر على الأقل، بأنه لايزال بإمكانها أن تلعب دورا ما رغم أن القرار بات في أيدي موسكو ثم واشنطن.
وفي هذا السياق، زار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باريس في نهاية يونيو بعد أن سبقه إليها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. ثم قام وزير الخارجية الفرنسي بزيارة إلى بيروت، وقال في حديث صحفي إن حكومته لا تفرق بين الأسد و«داعش». وبعد الزيارة ارتكبت مقتلة نيس، فهل إن «الداعشيين» باتوا مؤتمنين على تنفيذ سياسة الأسد؟
إن فرنسا تشكل في الوقت عينه الحلقة الأضعف في العلاقة الشديدة التداخل والتعقيد والتوتر مع ظاهرة النزوح والهجرة الوافدة إليها من البلدان التي لها مصالح قوية مع فرنسا، مثل تونس والمغرب والجزائر وهي البلدان الأكثر تأثرا بالخطاب الإسلامي الأصولي.
فهل لنا أن نتصور كيف سيكون عليه نمط وأسلوب المجزرة المقبلة التي يريد واحد من هؤلاء أن يلغي خلالها حياة الآخرين؟

سعد كيوان
copy short url   نسخ
19/07/2016
2611