+ A
A -
البداية:
«ومن الإنجازات العظيمة.. إيمانك بذاتك»

متن:
المكان بارد،
الكاميرات مصفوفة بكل مكان كفصيل عسكري،
بصوت أجش يصرخ المخرج فعاد كلٌ لموقعه وتحصن خلف عدّته،
بدأ العد التنازلي.. وانطلقنا

هو الظهور الأول لي بلقاء تليفزيوني،
لم أكن مرتبكًا.. تجاوزت هذا الشعور
فمشاعري كقالب الثلج.. لاتهتز
وتفكيري مشغول بأشياء تافهة
كيف سيبدو شكلي.. وصوتي؟
وكيف ستراني أُمي!
وماذا سيقول أستاذي؟
وياترى هل أنا رائع حقًا كما يقول أصدقائي؟
والمضحك أنهم قدَّموني كمحامي وكاتب
مع أن الطفل الذي بداخلي لم يكبر بعد

وبدأنا
-المذيع:
دعوات كثيرة ورفض متكرر وها أنت بشكل غريب توافق وتطل بلقاء.. كيف نفسر ذلك؟
فسّره بسطره المختصر.. شاب حظي بشهرة لم يستوعبها بعد أو بشكلٍ أدق لايزال مقتنع أنه لايستحقها

-وهل تعتبر نفسك مشهورا؟
بعيون من يكرهني.. نعم أنا الذي كلّ وتعب من هتافات المعجبين وتصفيق الجماهير فالغرور خير درعٍ في وجه سهامهم

أما بعيون من يحبني.. فأنا تجاوزت ذاتي بخطوتين.. وربما قفزت قليلًا عمّن كنته قبل خمسة سنوات،
تغير بسيط بدائرتي الاجتماعية.. لم تعد ضيقة،
هناك أناس كُثر يعرفوني.. يسلمون علي ويثنون
وأضعافهم بأضعاف لايأبهون لحضوري.. أنا لازلت أتلمس موطئ قدماي وأُلامس الأرض

-والحقيقة أين هي؟
الحقيقة هي أني أسخر من ذاتي كثيرًا
أحاول جاهدًا أن أكون شخصًا أُشبهني،
وللأسف لا أنجح
ومن التجارب التي لا أحبها،
في أي مناسبة اجتماعية
أنقسم لعدة أشخاص
أحدنا منصت
وآخر وظيفته مجاملة الوجوه الباهتة
وثالث ثرثار لا أحبه.. يُغطي خجله بكثرة الكلام حتى لاينتبه أحد
ورابع متأمل يفترس ملامح البشر ليقرأ كلٌ منهم ويرتبهم بسذاجة قربًا وبعدًا منه وكأنه نقطة الجاذبية التي يدور هذا الخلق العظيم حوله؟
أما أنا الحقيقي.. لا أعرفني بعد.. ربما أنا أفضل من بعيد وغالبًا من يقترب مني يرى قبحًا تستره بعد المسافة

-شخص مثلك نهتم لنعرف كيف هي حياته؟
أشياء كثيرة أفعلها وأسعد بها
بالحقيقة عندما أكون بمفردي لا أشعر بالوحدة
فمن يقرأ لايفتقد أحدا
وأصحابي بعزلتي الاختيارية ثلاثة وأنا رابعهم
نتسامر جميعنا فهم رائعون
يحضرون وينصرفون بالوقت الذي أحب،
يسكنون رفوف مكتبتي،
نجيب محفوظ الذي أحب دراميّته والعقاد الذي تأسرني طريقته بالتفكير وصديق آخر لا أحبه كثيرًا لأني غالبًا لا أفهمه،
لكن بالطبع مسرور بصحبتهم
فنحن أصدقاء.. من طرف واحد
وعندما أمّل القراءة
أمارس الخط.. أُعبّئ السطور.. وأكتب

-وماذا علمتك هذه التجربة؟
علمتني أن عزلةً اختيارية بين أشياءك التي تحب خيرٌ من مجالسة وجوه مفروضة علينا بحكم القدر،
خسارة..
فقدت الكثير من مرونة تقبل وجودهم
لم أعد أقدم تنازلات من الوقت لأنال رضاهم
هذا لم يعد أولويتي بالحياة

-وهل هذا تصرف نبيل؟
بالطبع لا.. لكني لست مذنبًا
أنا فقط اخترت شكلًا لحياتي
اختزلتها بالأشياء الجميلة
حددت مقاسات الأشخاص ونحت زواياهم حتى لاتبدو حادة،
خاصرتي بمأمن اليوم حتى مع من أُحب
أنا قررت أن أعيش بالطريقة التي تناسبني
وهذا كل شيء

-ماهي أعظم إنجازاتك؟
أسرع من يضبط إيقاع ساعته البيولوجية ليُعيد ترتيب مواعيده والنهوض صباحًا
حائز على جائزة نوبل بسرعة الملل حتى مع الأشياء التي أتمناها وتعبت من أجلها
أكثر شخص يحب الطعام ويكتفي بتصويره ويأكل بالنظر

-وماذا تغير فيك؟
لم أعد أمشي بالأرض مرحا وصوتي ليس نكرة
واستعنت بممحاة المراهقة لأمسح أخطاء الماضي
حتى يكون هناك متسع لأرتكاب أخطاءً جديدة
وقبل أن يسعى أحدهم لانتقادي
عليه أن يُحبني بما أنا عليه
بملاكي الطاهر وشيطاني الرجيم
فلن أكون نسخةً مكررةً من أحد،
ومن نعم الله أني أدركت باكرًا كيف أعيش الحياة بالشكل الذي أُحب وإعجاب الآخرين من عدمه ليس من أولوياتي،
‏أقبلني هكذا بحسناتي وأخطائي،
‏لكن ماذا عنك؟

-أنا هنا لأسأل فقط.. بماذا تُحب أن تختم؟
كنت أتمنى ياصديقي أن أتحدث كما أكتب
لكني خذلت نفسي مجددًا
معك أيقنت أني خُلقت لأكتب.. لا لأتكلم
حتى السيناريو أعلاه تخيلته ولم يكن
بدوت معك كأحد وأي أحد
لم أكن أنا الذي أحب
مازلت مبعثر بين من أكتب ومن أتحدث
الأثنان لايتشابهان
لهذا عذرًا لمن خيّبت آمالهم.. فما أنا إلا بشرٌ مثلكم.

إضاءة:
«كن مختلف.. لاتُشبه تكرارهم»

آخر السطر:
ومن عاش يافهيد لجل يرضي الناس.. راحت حياته خسارة.

بقلم : دويع العجمي
copy short url   نسخ
18/07/2016
3946