+ A
A -
اشترى أحد الأثرياء بستاناً، وجعل عليه خادماً له يُقال له «مبارك»، وأقام مبارك في البستان زمناً يحرسه، ويرعاه، ويهتم بكل صغيرة وكبيرة فيه، كأنه صاحب البستان، لا مجرد عامل فيه!
وجاء صاحب البستان أخيراً ليتفقده، فرأى ثمار الرمان فاشتهاها، فطلب من خادمه مبارك أن يأتيه ببعض الرمان الحلو، فلما جاءه به وجده حامضاً.
فقال له: هذا رمان حامض، هاتِ لي من الحلو!
فعاد مبارك يحمل الرمان إلى سيده من جديد، فإذا هو حامض مجدداً!
فغضبَ منه، وقال له: أما تعرف الرمان الحلو من الحامض في هذا البستان؟!
فقال له مبارك: لا!
فقال له: وكيف ذلك؟!
فقال لسيده: لأني ما أكلتُ منه شيئاً حتى أعرفه!
فقال له: ولِمَ لا تأكل؟
فقال لسيده: لأنكَ ما أذِنْتَ لي!
وتفحَّص السيد حال خادمه، وسأل عنه، وتحرى عن الأمر، فإذا هو صادق فيما قال، فعظُمَ في عينه، وزوَّجه ابنته، فخرجَ من هذا الزواج المبارك، عالم جليل مبارك، واحد من أعلام المسلمين على مر الدهر، هو عبد الله بن المبارك!
لا شكَّ أن الله تعالى يُخرجُ الحيَّ من الميت، حقيقةً ومجازاً، بمعنى أنه يُخرج من صلب المؤمن كافراً، ومن صلب الكافر مؤمناً، وقد جاء إبراهيم من صلب آزر، على أصح الأقوال أنه أبوه، وجاء ابن نوحٍ كافراً وهو من صُلب شيخ المرسلين! الأمر ليس وراثة حتمية، ولا قاعدة ثابتة أن يأتي المؤمن من المؤمن والكافر من الكافر، ولكن يمكن القول إنها الأصل والقاعدة، وإن غيرها شواذ قليل!
الأولاد في أغلب الأحوال غِراس، ونحن نحصد ما نغرسه، وقلما نُربي ولا نحصد أثر تربيتنا، وكذلك قلما نُهمل ولا نتجرع أثر هذا الإهمال حيث لا ينفع الندم!
عظيم هو هذا الثري في القصة وفقيه، لقد ائتمن ابنته على عامل بسيط لأنه علم أن من لا يخون الله في ثمرة رمان، لن يخونه في عرض امرأة، وهذا الفهم، ووضع الأمانة موضعها أثمر لنا عبد الله بن المبارك فقيه زمانه، ونجم لا يخبو على مر الأزمنة!
البنات لسنَ سلعاً للبيع يُعطين لمن يدفعُ مهراً أكثر، البنات أمانات يجب أن تُؤدى لأهلها، فمن وضعهنَّ عند من يرجو صلاحه فقد أدى الأمانة، ومن دفعهنَّ لأول خاطب دون بحثٍ عن دِينٍ وخُلق فقد خان الأمانة!
البنات ضيوف في بيوتنا ما يلبثنَ أن يرحلنَ فلا تستعجلوا رحيل ضيوفكم، ولا تُفرطوا فيهن إلا لمن يحفظهنَّ!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
24/05/2022
364