+ A
A -
نتساءل كثيراً عن الشعور الذي يغتبطنا، حين نستذكر المناسبات الإسلامية والاجتماعية والأعراف في بيئاتنا قديماً، أيام الأولين -أهل أول- زمان الطيبين، لماذا نستشعر أو يستشعر بعضنا شيئاً من الوحشة، وخاصة الوحشة التي تعزلنا عن ذواتنا عن طبيعتنا، عن أرحامنا ورفاقنا وعائلتنا الخاصة في صندوق السوشيال ميديا، وكأنما انتقل العالم الافتراضي لنا ولم نكن في رحلة معه فنعود إلى الأرض.
تزدحم الصور القديمة مع واقع الحياة العصرية ومع أحداث العالم، وآثار الصراعات على مشاعر الناس، فتضيق بنا دائرة المجتمع المتشارك في أيام العيد، ويزداد بأس المواقف السياسية علينا، مع أن الأصل أن السقف الذي نتعامل معه في العيد هو السماء، والمرجع هو شريعة الله في يوم الفرحة والجائزة، فهنا إطلاقٌ للنفس نحو ذاتها ونحو كل محيط تلتقيه.
ليس كل الماضي جميل، لكن تظل ذاكرة الزمن القديم لها حالة جذب خاص، أرى أن أبرز ما يشدنا هو حضورنا الحقيقي، ومباشرتنا الحياة الاجتماعية في تواصل مستمر، لا يعتمد الآلة البديلة، وهي اليوم هذا الجهاز الذي بات أقرب لك من زوجك وبنيك ووالديك، من كثرة التصاقنا به.
كنّا نعيش أيام رمضان الأخيرة، بين زكاة الفطر وضمان إخراجها، وبين الإعداد ليوم العيد، والعقود الخمس الأخيرة حملت تطورات متعددة، لكن التنبه لوقت صلاة العيد ومغالبة النوم، هو الذي كان يحملنا لانتظار الفجر السعيد، ومشهد صلاة العيد وتقاطر الرجال والنساء والأطفال عليه، من أهم ما يتراجع في الصورة الرمزية لصلاة العيد اليوم، فصلاة العيد وحدها برنامج حافل في البيئة التي عشتها في الخليج العربي.
أضحت المساجد اليوم مكاناً لصلاة العيد، وفي الأمر سعة، خاصة مع ظروف تمدد الأحياء والكثافة السكانية، لكن مصلى العيد وخاصة الذي يجتمع فيه أهل كل بلدة أو مدينة أو حي فيها، يترقب الناس ذويهم وكبار سنهم في المصلى، ويتقدمون للسلام مع أطفالهم وهو بالطبع ما افتقدناه كثيراً في موسم جائحة كوفيد، داعين الله بالسلامة للجميع، المهم هنا هو وقوفونا في صفوف المسلِّمِينَ بعد الصلاة، وأيضا الالتفات إلى إخوتنا من العمالة الوافدة التي تحرص على الحضور للمصلى، فهو رابط إسلامي مشترك، وفرصة للتواصل مع رفاقهم يوم إجازتهم، فنعتني بالسلام عليهم وهو ما نرجو إحياؤه في عيد غربتهم.
لقد كانت أولويات الأرحام وتنظيم الزيارات لهم في مقدمة واجبات العيد، وهي لا تزال، لكن قل الاهتمام بها، أما في زمننا فكنا نشعر أن ذلك من أوجب الواجبات، فوصل الرحم في يوم العيد هو قيمة إسلامية أخلاقية جميلة حين تورّث للأجيال، خلافاً للرسالة الباهتة عبر الواتس أو غيره، هناك ضرورات للبعد وللظروف الصعبة في أيام العيد، لكن لا أقل من الاتصال الصوتي عبر الهاتف أو التطبيقات.
وكنا نجد بركةً وأُنساً في وصل أهل ود والدينا، وهو من فقه الإسلام وحسن أدبه، ولكن له ايضاً بعداً نفسيا مريحاً عليك، قد تتثاقل في العزم لكن حين يكرمك الله بذلك فستشعر بأنس لن تجده في العلاقات الأخرى، فاستقبال رفاق والديك، يختلط بالغبطة والتقدير الحب المخلص لك، المقرون بالدعاء، فهذا الدفيء الحميمي مكسبك في هذا الوصل.
وهنا لا بد من أن نقف وقفة مهمة مع الأطفال، والحاجة لتخصيص وقت كافِ لمشاركتهم في العيد، وتنظيم وقت سعادتهم، فكنا في القديم يصطحبنا أهلنا ونفرح بالزيارات المرتبطة بالحلوى والعيدية، ونؤكد اليوم على الاعتناء بهذه الهدية النقدية دون مبالغة، وأن يُخصص للأطفال في يوم العيد مساحة للاحتفالية داخل المنزل، فالغفلة عن الأطفال في انشغالات يوم العيد أو الاعتماد على برنامجنا الشخصي، يحرم الأطفال من المساحة الخاصة بتنظيم بعض الألعاب ومشهد الزينات، الذي ينبغي أن يستشعرونه يوم عيد المسلمين، ومن ثم حماسهم بعد ذلك لزيارة الأرحام والمشاركة في برنامج التواصل الاجتماعي.
وفي الأحساء كما غيرها، كنا نعتني بتنظيم زيارات العيد التي تأخذ الأيام الثلاثة وليس اليوم الأول فقط، وهي في الحقيقة جسور مهمة تشمل كل شركاء البلدة واخوة المكان مع تنوع انسابهم ومذاهبهم، وكم هو جميل أن تُحيا هذه الجسور وزيارة الدواوين أو تُعزّز إن كانت قد ضعفت، وعيد مبارك عليكم جميعا أعزائي القراء وكل عام وأنتم بألف خير.
بقلم: مهنا الحبيل
copy short url   نسخ
01/05/2022
1797