+ A
A -
خولة مرتضوي
تولي إدارات وأقسام ووحدات العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية والخاصة أولوية كبيرة لكل المسائل التي من شأنها أن تعزز صورة منظماتها لدى الرأي العام، فتقوم برسم الاستراتيجيات والرؤى، وصياغة خطط العمل المختلفة التي تؤدي بالنتيجة إلى تحقيق هدف تكوين الصور الذهنية اللائقة عن المؤسسة وموافقة مصالحها مع مصالح جماهيرها الداخلية والخارجية.
إن هذه الخطط والبرامج المختلفة تصرف فيها الكثير من الجهود المادية والمعنوي، حيث يتطلب مشروع واحد -في كثير من الأحيان- ساعات متواصلة من العمل تقوم عليها فرق عمل مختلفة لتنفيذها وإظهار بالشكل المأمول، وفي هذا المسير المؤجج بالمشاريع المرتبطة بمستجدات الأحداث والعوامل المتغيرة محليًا وعالميًا تفقد عدد كبير من منظومات العلاقات العامة تركيزها على تطوير عدد من الملفات الهامة التي ستعينها في تحقيق رؤاها وبرامجها الاستراتيجية، من تلك الملفات ما تم تقديمه سالفًا في مقال («كوفيد 19» بين اتصال الأزمات والمسؤولية المجتمعية) الذي ركز على أهمية تبني منظمات العلاقات العامة لسيناريوهات مختلفة تعينها على مواجهة الأزمات المتوقعة بشكل صحيح بعيد عن العشوائية والتخبط، مدللةً على ما حصل مؤخرًا في أزمة فيروس كورونا العالمية التي عكست مدى ضعف قدرة عدد من مؤسسات المجتمع في مواجهة هذا الوباء بشكل اتصالي ناجح (بين تقديم الحقائق وزيادة الوعي والتعبئة المجتمعية اللازمة).
ومن الملفات المهملة كذلك في غالبية منظومات العلاقات العامة ما يتعلق بموضوع تعيين متحدث ناطق رسمي يكون صوت ووجه وضمير المؤسسة لدى وسائل الإعلام المختلفة بشكل عام والرأي العام بشكل خاص. وأقصد بالمتحدث الرسمي ذلك الشخص الذي تعينه المؤسسة ليقوم بالحديث عن رؤى وأهداف ومستجدات الوضع الراهن والمستقبلي في المؤسسة سواءً في المؤتمرات الصحفية أو المقابلات التلفزيونية أو الإذاعية أو مناشط منصات التواصل الاجتماعي المختلفة (تغريدًا ونشرًا وتعليقًا.. إلخ)، فهو إذن ذلك الوجه الصوت الحساب الرسمي الذي يظهر للجماهير ليبث معلومات وحقائق وبيانات عن مؤسسة ما في المجتمع، وهذه المهمة التي يقوم بها بالنيابة عن كافة زملائه في منظومة العمل تتكئ على تحقيقه لأهداف خاصة، من أهمها: عكس رؤى واستراتيجيات المنظومة بلغة سليمة وواضحة الفهم، الاستعداد الدائم للظهور في وسائل الإعلام والتعامل مع مختلف أشكال الأسئلة التي يوجهها الإعلاميين الصحفيين سواءً في البرامج الجماهيرية أو الخاصة أو المؤتمرات الصحفية العامة، فمهما اشتدت الأسئلة ضراوة وشراسة أو حتى مشاكسة عليه أن يقف كـ (حارس بوابة) وينتقي ما يمكن تمريره للرأي العام وما يمكن تأجيله أو التحفظ عليه وتفسيره في المرحلة المراحل القادمة.
اليوم نلحظ أن عددًا من المسؤولين الذين يظهرون في وسائل الإعلام للحديث عن مؤسساتهم لا يتحلّون بالمهارات اللازمة التي يجب أن يمتلكها المتحدث الرسمي، فتظهر لقاءاتهم الإعلامية مليئةً بالتأتأة والركاكة والردود غير السديدة والمشبعة بالحقائق، وفي بعض الأحيان نجد أنه -أسفًا- لا يعرف شيئا عن مهارات الخروج من المآزق التي تسببها بعض الأسئلة الإعلامية الحرجة، فيصرح بمعلومة كان الأجدر له أن يقدمها للإعلام في توقيت أو ظرف آخر. ويكمن سبب هذه الظاهرة أن منظومات العلاقات العامة، الملامة، تقوم بترشيح أسماء عشوائية ومختلفة في كل مرة للظهور في وسائل الإعلام، وتكون هذه الأسماء الشخصيات غير مدربة على مهارات الظهور الإعلامي المختلفة، ولم تتشرب، بعد، الرؤى والأهداف القائمة والمحلية والمستقبلية للمؤسسة، ويبنى ترشيح المنظومة على مدى جاهزية متخصص في مجال ما للحديث إلى الإعلام، وللأسف يكون المرشح مؤهلًا في مجاله العلمي أو الوظيفي، لكنه لا يمتلك المهارات المختلفة ليصبح ناطقًا باسم المؤسسة. ويعزى ذلك إلى إهمال العلاقات العامة لتنظيم عدد من البرامج والدورات التي من شأنها تأهيل الناطقين المتحدثين الرسميين لديها ومدهم بمهارات اللغة والظهور الإعلامي المختلفة، وهي دورات تأسيسية بسيطة تمكن المؤسسة كذلك أن تنتقي من خلالها الأفضل من طاقمها والأجدر للظهور أمام الرأي العام، ممن يمتلك، إضافة للمهارات المكتسبة من خلال البرامج التدريبية التأهيلية، عددا من الميزات التي تدعم وظيفيته كناطق باسم المنظومة، ومن أهمها الكاريزما والذكاء وسرعة البديعة وشمولية الثقافة واستخدام مهارات الصوت ولغة الجسد بشكل ناجح.
إن مهمة المتحدث الرسمي ضرورة هامة لمنظومات العلاقات العامة، وليست إكسسوارًا يمكن الاستغناء عنه أو تأجيليه لمرحلة قادمة، فهو من أهم الملفات التأسيسية التي يجب أن تركز عليها المؤسسات تحقيقًا لأهدافها واستراتيجياتها، فمتى ما استطاعت المنظومات أن تؤسس لديها متحدثين مفوهين يستطيعون التعامل مع وسائل الإعلام والرأي العام في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف تمكنوا بسهولة من: تحقيق التوافق بين مصالح المنظمة وبين الجمهور، بناء علاقات طيبة مع الرأي العام، مواجهة التحديات الإعلامية المختلفة سواءً في وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة، التعريف بمكانة المنظومة في المجتمع وإسهامها في الخطط المجتمعية القادمة، رصد الاتجاهات المختلفة (رجع الصدى) حول قرارات المؤسسة وبرامجها الحالية والمستقبلية وتحليلها، دراسة الرأي العام (داخل المنظومة وخارجها) والتمكن من تعبئته وتوجيهه بالشكل المطلوب، الدفاع الصادق (الموضوعي) عن المنظومة ضد كل ما يقال أو يشاع أو ينشر عنها.
copy short url   نسخ
19/03/2022
2314