+ A
A -
خولة مرتضوي
إعلامية وباحثة أكاديمية
إنه لم يعد من المنطقي اليوم ونحن نشهد ثورة اتصالية هائلة في وسائل الإعلام الجماهيرية وهي سنة من سنن الله في التدافع الحضاري أن يفتى بمقاطعة هذه الوسائل وحرمان الجماهير المسلمة من الاستفادة من مستجدات العصر والتقانة، فدور الإعلام خاصة الإعلام الإسلامي أن يقوم بالحفاظ على خصوصيات الأمة الإسلامية العقدية والثقافية، ويفيد باستخدام الإطار المشروع في كل ما يسهم في تبليغ الدعوة ونشر وبيان الإسلام، وتوسيع آفاق المسلمين في نظرتهم إلى أنفسهم وإلى أثرهم في محيطهم القريب والبعيد، فالمسلمون أولى بتسخير كافة الوسائل الحديثة بما يكفل بلوغ ذروة الدعوة والتبليغ وتصحيح الصورة المشوهة.
قارئي العزيز، اليوم يعتمد الدعاة إلى الله والعاملون في حقل الإعلام الإسلامي بشقيه التقليدي والإلكتروني على مختلف الوسائل الإعلامية التي يعاصرونها، وقد خرج أغلبهم من تلك النظرة الضيقة التي حصروا فيها وسائل الإعلام، حين كان يرى البعض أنه يجب تحطيم وإلغاء وهدم هذه الوسائل، معللًا أنها وسائل الشيطان وطريق من طرائق الشر، والبعض كان يجد أنه يحل المشكلة بالابتعاد عنها ومقاطعتها وعدم السماح لأسرته باستخدامها أو إدخالها إلى المنزل، ومنهم من كان يدعو إلى الانسحاب من العمل في وسائل الإعلام حرصًا على المحافظة على الإيمان وتحرير ولاء المسلمين من جاهلية العصر الجديد.
قال الله تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، إنه في الوقت الذي كانت فيه هذه المواقف السلبية من وسائل الإعلام سائدة في صفوف من حملوا على عاتقهم لواء نشر دين الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية جمعاء، وتبصير الأمة الإسلامية؛ كان أعداء الإسلام يستغلون هذه الوسائل لغزو المجتمعات المسلمة وإغراقها بصور ذهنية مشوهة حول الدين وأتباعه، إضافة إلى محاصرة وتشويه صورة الصحوة الإسلامية والتقاط واعتماد النماذج الشاذة إلى درجة أنه بات يتسرب إلى أذهان الجماهير المسلمة بشكل خاص وغير المسلمة بشكل عام أن الإسلام ودعاته هم آفة الحضارة الإنسانية المعاصرة وأبرز أسباب خرابها.
وقد تغير الوضع أخيرًا عندما غير القوم ما بأنفسهم، وأصبح الفقهاء والدعاة يبيحون ويوصون بالإفادة من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة في تحقيق أهداف الإعلام الإسلامي التي ترتكز على الدعوة إلى الله تعالى، وذلك على اعتبار أن الدعوة الإسلامية ليست دعوة محلية أو إقليمية، بل هي دعوة عالمية، الأمر الذي أوجب توصيلها بهذه الوسائل التي لا يحدها زمان ولا مكان، ذات التأثير القوي والمباشر على الأفراد والجماعات والأمم.
إن المسلمين يهتمون بوسائل إعلامهم التقليدية والجديدة انطلاقًا من مرتكزات ربانية وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن أهم هذه المرتكزات الأساسية:
أولًا: أداء واجب الدعوة إلى الله جل وعلا وهو سبيل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، فالأمة الإسلامية أمة دعوة تدعو للحق والهدى والخير بالحكمة واللين والرفق، قال الله تعالى: «قُلْ هَ?ذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو?اْ إِلَى ?للَّهِ عَلَى? بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ?تَّبَعَنِي وَسُبْحَ?نَ ?للَّهِ وَمَا? أَنَا مِنَ ?لْمُشْرِكِينَ». إن وسائل الإعلام الإسلامية إذن تساعد على تحقيق هدف الدعوة إلى الله من خلال البلاغ والبيان، آخذة بأيدي الناس إلى حياة الدنيا الطيبة وإلى نعيم الآخرة المقيم.
ثانيًا: بذل النصح والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمسلمون أكثر الناس نصحًا لما عندهم من النور المبين والهدى والرشاد، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، والإعلام الإسلامي مبني على تقديم الهداية والرشد بخلاف السواد الأعظم من وسائل الإعلام التي يسودها المكر والريبة وخداع وغش الناس.
ثالثًا: القيام بدور التبشير والإنذار وهي من أعظم الأسس والركائز التي يقوم عليها الإعلام الإسلامي، وذلك من خلال بيان محاسن الدين والصلاح الذي يترتب على الالتزام فيه في الحياة الدنيا قبل الآخرة، إضافة إلى الإنذار مما يخالف الإسلام في العقيدة والقول والعمل والسلوك والخلق. إن دور البشارة والإنذار عليه أن يلعبه أهل هذا الدين من بعد الرسل، وذلك استنادًا على كتابهم المحفوظ الحكيم وصحيح السنة النبوية الشريفة، قال الله تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ ?لْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَ?دِلُ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ بِ?لْبَ?طِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ?لْحَقَّ وَ?تَّخَذُو?اْ آيَاتِي وَمَا? أُنذِرُواْ هُزُوًا»، وقال تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ». ومما لا شك فيه أن وسائل الإعلام بشكل عام يمكنها غرس وتكوين الأفكار وتغيير المفاهيم والصور النمطية المقدمة، لذا كان لزامًا على الإعلام الإسلامي أن يستفيد من هذا الميدان في تطبيق وتفعيل هذه الفريضة؛ تعزيزًا لكل صلاح وخير ومعروف، وتطهيرًا للمجتمع الإسلامي من مختلف براثن الفساد.
رابعًا: تقديم القدوة الحسنة، فالبشر تتحكم بهم غريزة المحاكاة والتقليد، ورب أنموذج يقتدى به خير من مئات الحملات الإعلامية التوجيهية لنشر سياسة أو فكر أو عقيدة، حيث يقدم القرآن الكريم والسنة النبوية الكثير من النماذج الإنسانية المتميزة للاحتذاء بها، وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أفضل قدوة وخير أسوة لنا، نهتدي بسنته ونقتدي بأقواله وأفعاله. ويكمن دور الإعلام الإسلامي في تقديم نماذج القدوة والاحتذاء لتكون بمثابة نبراس يهتدي بها المسلمين، وتكون سببًا كذلك في دخول الشعوب والأمم للإسلام، فاتباع الوسائل والأساليب الملائمة سيكون لها أبلغ الأثر في إشغال الناس بالحق وتأثرهم الإيجابي به، فالقصص والمثل القرآنية تؤدي دورًا مهمًا في إحداث أثر التربية والتوجيه.
وفي الختام أجد أن مرتكزات الإعلام الإسلامي كثيرة ولا يمكن حصرها أو تقييدها بنقاط أو أطر محددة، بل هي كل ما من شأنه الدعوة إلى دين الله تعالى وتحقيق الخير للإنسانية جمعاء، كما أن مرتكزات الإعلام الإسلامي كثيرة ومتجددة بتجدد قضايا العصر، ويبقى الأهم هو الحرص على تمثيل هذه المرتكزات في شكل أهداف مؤطرة، من خلال وضعها في خطط استراتيجية قصيرة وبعيدة المدى وتنفيذها على شكل مناهج وبرامج علمية مدروسة بعيدًا عن الادعاءات والعشوائية والتخبط.
copy short url   نسخ
19/02/2022
1848