+ A
A -
ذهبت إلى غرفة نومي متثاقلا أردد قول الشاعر أبو إسحاق إسماعيل بن قاسم العنزي إسماعيل بن القاسم (أبو العتاهية) الشاعر العباسي الماجن في مطلع حياته، الزاهد فيما بعد، حتى هجر الشعر، فهدده هارون الرشيد بالحبس ان لم يقل الشعر فعاد إلى نظمه وكان في شعره حكمة ومنها قصيدته (بكيت على الشباب بدمع عيني) أو المعروفة بـ «ألا ليت الشباب يعود يوما» وأطلت في ترديدها، وما ان استلقيت على السرير اطل عليّ شاب بوجه نضر، حتى ظننت اني سوف اكون في حضرة اجمل ما خلق الله على الارض.. قال: انا الشباب.. ماذا تريد ان تخبرني.. ايها الجليل.. قلت لن تصبر على بوحي، وقبل البوح اسالك هل تذكر في الماضي البعيد.. فَتىً غرَِيرا أَرعَنا، جذلانَ يَمرَحُ في الحقول كالنَسيمِ مدندنا، يَتَسَلَّقُ الأَشجارَ لا ضَجَرا، يَحُسُّ وَلا وَنى ويَعودُ بِالأَغصانِ يَبريها سيوفاً أَو قَنا ويَخوضُ في وَحلِ الشِتا متَهَلِّلاً مُتَيَمِّن لا يَتَّقي شَرَّ العُيونِ ولا يَخافُ الأَلسُنا ولَكَم تَشَيطَنَ كَي يَقولَ ااناسُ عَنهُ تَشَيطَنا
أَنا ذَلِكَ الوَلَدُ الَّذي كانت دنياهُ كانَت هَهُنا.. بالاذن من ايليا أبو ماضي....
فقال اذكر لكن ماذا تريد ان تخبرني؟
قلت عليك مرافقتي لترى كيف حالي اليوم، احتاج إلى عصى اتوكأ عليها.. والى نضارة ارى بها.. والى من يقود السيارة.. والى من يأخذ بيدي حين اجلس وحين اقوم.. واهم من كل ذلك انني اصبحت وحيدا، هجرني اصدقائي وخلاني.. ولم تعد سلمى تعيرني بالا ولا تشاركني ماري قهوة الصباح.. لقد اخذت مني كل هذا حين غادرتني وتركتني احصى الشيب الابيض في ذقتي واخفيه في رأسي..
ضحك الشاب الجميل.. وقال إنا انت، وانت انا، وانت محظوظ انك لا زلت على قيد الحياة.. لتشكر الله.. فالشباب لا يعود بالتمني.. اصابني صمت طويل وقلت:
بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني
فلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ
فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ
نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ
عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً
كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ
فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً
فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ
بقلم: سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
09/12/2021
2546