+ A
A -
كان كل حديثه حلوا وماتعا، وكان يُحدِّثُ أصحابه باستمرار عن أخبار الغيب الذي لم يشهدوه، فيؤنسهم، ويربط على قلوبهم، ويزيد لهم إيمانهم!
وحدَّثهم مرةً فقال: لمَّا خلق اللهُ آدم مسحَ على ظهره، فسقطَ من ظهره كل نسمةٍ هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسانٍ منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: يا رب من هؤلاء؟
فقال له: هؤلاء ذريتك.
فرأى آدم رجلاً منهم، فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: يا رب من هذا؟
فقال له: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يُقال له داود.
فقال: يا رب كم عمره؟
فقال له: ستون سنة!
فقال: يا رب زده من عمري أربعين سنة.
فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولمْ يبقَ من عمري أربعون سنة؟!
فقال له: أولمْ تُعطها لابنك داود؟!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فجحدَ آدمُ فجحدتْ ذريته، ونسيَ آدم فنسيت ذريته، وخطِئ آدم فخطئت ذريته!
هذا حديث شيِّق لو أردنا أن نكتب في دروسه الصفحات لفعلنا، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعُنق كما تقول العرب دلالةً على الاختصار!
الدرس الأول:
خلق الله سبحانه أرواح الناس كلها دفعةً واحدة، ثم أبقاها عنده، فإذا أراد أن يخلقَ إنساناً أرسل إليه الملك بالروح التي خلقها قديماً فنفخها فيه وهو جنين في بطن أمه!
الدرس الثاني:
يعلمُ الله أهل الجنة وأهل النار قبل خلقهم، وما النور الذي كان بين عيني كل واحدٍ منهم قبل خلق أجسادهم إلا مقدار إيمانهم، لهذا أُعجب آدم عليه السلام بالنور بين عيني داود عليه السلام.
الدرس الثالث:
كان اللهُ تعالى قد أوحى إلى آدم عليه السلام أن عمره سيكون ألف سنة، وكان آدم عليه السلام يحسبُ هذا، لهذا عندما جاءه ملكُ الموت، أخبره أن الموعد لم يحِنْ بعد، وقد بقي له أربعون سنة، وهذا أمر خاص بآدم عليه السلام وحده، والشواذ لا يلغي القاعدة، والاستثناء لا يُبنى عليه، والقاعدة «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»!
الدرس الرابع:
لا يستطيع الإنسان أن يخرج من قفص بشريته مهما حاول، والناس مفطورون على حُب الحياة وكراهية الموت، والأنبياء نهاية المطاف ناس، لهذا جحدَ آدم عليه السلام وعده القديم بأن يعطي ابنه داود عليه السلام أربعين سنة! ولأننا ذريته وبضعة منه، فالجحود والنسيان والخطيئة فينا! وأقربنا إلى الله أسرعنا امتثالاً، وأكثرنا استغفاراً، وأوفانا اعتذاراً إلى الله!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
05/12/2021
2339