+ A
A -
قمّة الهرم أم قاعدته ؟ كثيرة هي الأدبيات السياسية أو الحرّة التي تناقش قضايا الإصلاح والفساد والتغيير في المجتمع والاقتصاد والسياسة العربية. كيف نقوم بالإصلاح؟ كيف نحارب الفساد؟ كيف نخرج من النفق؟ حتى الثورات وما أعقبها من تحولات جذرية، كانت تبحث هي الأخرى في الطرق والوسائل التي يمكن عبرها تأسيس نظام جديد في الحكم وفي إدارة الدولة ومرافقها الحيوية.
للإجابة عن هذه الأسئلة مُثّلت الدولة بالهرم الذي ينطلق من القاعدة العريضة التي تمثل المجتمع أو أسفل مؤسسات الدولة في مقابل أعلى الهرم الذي يمثل السلطة السياسية أو النظام الحاكم. وهنا طُرح السؤال: من أين نبدأ ؟ هل نبدأ بإصلاح النظام السياسي أو تغييره ليصلُح أسفل الهرم أم ننطلق من الأسفل وصولا إلى الأعلى ؟
النظريتان صائبتان لأن الانطلاق من الهرم أو من القاعدة كلاهما مساران ممكنان للإصلاح والتغيير فإذا صلُح المجتمع فلا يمكنه إلا أن يُفرز نظاما سياسيا صالحا، أما إذا كان النظام الحاكم صالحا فإنه سيفرض على المجتمع مشروعاته في البناء والإصلاح. بناء على ما تقدّم فإن مسألة المسار أو نقطة البداية ليست المرحلة الأهم في عملية الإصلاح والتغيير لأنها تؤدي جميعها إلى نفس النتيجة.
إن المسألة الأهم من نقطة الانطلاق إنما هو توفّر عزيمة الإصلاح عند الطرف الاجتماعي أو السياسي المعنيّ بها مهما كانت الطرق والمسارات التي يريد عبرها بلوغ الهدف، قد يكون هذا المسار أسرع من غيره أو قد يوفر هذا الطريق على سالكه الجهد والطاقة والمال لكنهما يوصلان جميعا إلى نفس الهدف متى توفرت العزيمة والرغبة.
في السياقات العربية لم تتوفّر الرغبة الحقيقية في الإصلاح إلا نادرا بل كانت مجرد شعارات جوفاء أو خطب شعبوية لتسكين العوامّ من الناس. فمنذ أكثر من نصف قرن لم تنجح ما سميت «الدولة الوطنية» في القضاء على الفساد الذي تدعي محاربته بل كانت جزء منه مشرفةً عليه مشاركةً فيه.
فمن جهة أولى أو من ناحية قاعدة الهرم لم تتحرر الشعوب من الفساد الأفقي بل ساهمت فيه وانخرطت في مساراته حتى صار جزء من هذه المجتمعات وجزء من ثقافتها. أما من جهة الأنظمة فقليلة هي الدول لتي صادفها الحظ بحكومة صالحة وقيادة رشيدة وإن وُجدت في حالات نادرة فإنها واجهت موجات من التهديد والتضييق والتآمر والحصار دفعا لها نحو الانسجام مع منظومة الفساد العربية.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
02/12/2021
1133