+ A
A -
الشعر يؤرِّخ، ويؤرَّخ. مرّة بفتح الراء ومرّة بكسرها. والشاعر لا يصنع الحدث لكنّه وباختلاف الموهبة، قد يعيد صناعته أو يخلّده أو يجعله ملفتاً للأنظار على أقل تقدير. خذ عندك «فتح عموّرية» مثلاً، فالحدث هنا تكرر مثله في تاريخ العرب مئات المرّات وبظروف أهم وبنتائج أوقع، ولكنه بفضل «فتح أبو تمّام» الشعري عندما قال «السيف أصدق أنباءً من الكتبِ/في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعبِ!» تخلّد هذا الحدث وبقي غرّة في جبين التاريخ العرب الإسلامي. على أن هناك بعض الأحداث تكبر على الشعر والشعراء وتكون خالدة بذاتها ومهمّشة لما قيل فيها من شعر ومن قال فيها من شعراء. ففي «فتح مكة» مثلاً، كان لسيدنا حسان بن ثابت قصيدة باذخة تليق بعظمة الحدث وقدسية المشهد وتاريخية اللحظة، إلا أن الحدث كان طاغياً على الدنيا بما فيها، منذ يومه حتى يومنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا غرابة إذاً أن لا ترسخ قصيدة سيدنا حسان رسوخ حدث فتح مكة في ذاكرة الناطقين بلغة العرب.
وبالحديث عن الشعراء والتاريخ، لعلنا نقف اليوم مع الشعر والتاريخ لنحيي روح الشاعر عمر أبو ريشة -رحمه الله- والذي مات في مثل هذا اليوم قبل 26 عاماً.
وعمر أبوريشة شاعر حالم، تقرأه بقلبك وتسمعه بعينك وتطرب له بعقلك، وهو على قساوة نقده كان ليّن العبارة ورشيق الحجة وسمح المفردة. وأظهر مثالٍ على ما أقول قصيدته القاسية الصدق والصادقة القسوة:
أمتي هل لكِ بين الأممِ
منبراً للسيفِ أو للقلمِ؟!
فتأمل كيف يمكن لسؤال أن يكون قاتلاً بهذا الشكل! وهو لا يكتفي بالتلميح بل يستغرق بوصف المشكلة التي تعاني منها الأمة ويفصّل فيها دون الخروج عن جمال السرد الشعري فيقول:
أمتي كم صنمٍ مجّدته
لم يكن يحمل طهر الصّنمِ
لا يلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدو الغنمِ
وهذه اللقطة هي ما نعانيه اليوم ونراه رأي العين بما لا يدع مجالاً لشكٍ أو ريبة. «فالذئب» وهو الكيان الصهيوني لم يقتل من العرب في تاريخ صراعنا معه كلّه بقدر ما قتل «الراعي» وهو الأنظمة العربية. وهذا ما يراه أبوريشة سبباً لانتصار العدو وهزيمتنا.
وفي هذا السياق، لأبوريشة قصيدة رقيقة يخاطب فيها الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله يقول في آخرها:
«يا ابن عبدالعزيز وانتفض العز وأصغى وقال من ناداني
قلت: ذاك الجريح في القدس في سيناء في الضفتين في الجولانِ»!
والبيت هذا ما زال صالحاً للاستخدام فالملك السعودي لا يزال ابن عبدالعزيز لكن المدن العربية التي تناديه زادت! وكم هو غريبٌ هذا البيت، ففيه اجتمعت نعمة للعرب ببقاء السعودية آمنة مطمئنة ونقمات للعرب بضياع أمن بلاد أخرى. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
15/07/2016
2886