+ A
A -
سمير البرغوثي كاتب وصحفي فلسطيني
رجل أعمال طلب من سائقه الخاص أن يذهب به إلى «الداون تاون» وسط المدينة التي يقيم فيها، وكان يرتاد وسط البلد في طفولته ومنذ 25 سنة انقطع عن زيارتها ومنذ أن أصبح رجل أعمال وشغلته أعماله عما كان يحب في طفولته ومطلع شبابه وطلب من السائق أن يرجع له بعد 4 ساعات، كان يتنقل بين أرجائه ومحلاته كما كان في طفولته، شعر بالسعادة ورائحة الشاورما تداعب ذاكرته الطفولية وإيقاع ضرب الصاجات التي يجذب بها بايع العرق سوس الز بائن يستنهض ذكرى حميمية للأصدقاء الذين صاحبوه في أيام الشباب إلى السوق، عالم وسط البلد عالم جميل.
يقول حين وقف أمام العرق سوس ليشتري قدحا اكتشف أنه لا يحمل نقودا ولا بطاقات ائتمان ولا هاتف جوال ليتصل بالسائق، فترك القدح على الأرض وغادر مسرعا لتحاصره رائحة الشاورما والفلافل وبات كل شيء يراه لذيذا، حتى أنه وقف إلى جانب محل الشاورما يستنشق رائحتها ويأخذ شهيقا وزفيرا أمام محل صنع الفلافل، وحين رأى فتاة تأكل ترمس تمنى أن يكون بجيبه ريال أو نصف ريال، وحين شاهد هنديا يتناول الحب تمنى أن يعزمه هذا الهندي بل جلس إلى جواره يحدق في قشور الحب المتطايرة من بين شفتي الهندي فيما هو يعاني من الحرمان.
وحين رأى الكنافة النابلسية والجبنة تتدلى من أطرافها تنهد بزفرة عميقة ازدادت عمقاً حين رأى الباجيلا والفول بيد شاب، وحين رأى سلة فواكه على يمينه فيها مالذ وطاب من الفاكهة ينظر إليها البرتقال الماندرين التفاح وعنقود العنب الأسود السكري، لم يحتمل واستأذن من صاحب محل أن يتصل هاتفيا ليطلب من السائق إحضار محفظته، وحين اشترى ما اشتهى قال: ما أصعب الحرمان وما أقسى زوال النعم وما أسرع زوالها، وعلينا أن نجرب ما يعانيه المحرومون لنواصل الشكر لله وأن لا نبخل في إعطاء شيء مما أعطانا الله إلى من حرموا في هذه الأرض.
copy short url   نسخ
19/11/2021
2965